مع بداية عام 2025، شهد سعر الذهب ارتفاعًا غير مسبوق، حيث تجاوز حاجز الـ 4380 دولارًا للأونصة في 17 أكتوبر، مسجلاً أعلى مستوى له على الإطلاق. ورافقه قفزة مماثلة في سعر الفضة ليصل إلى 54.47 دولارًا للأونصة، وهو أيضًا رقم قياسي. ورغم بعض التراجعات اللاحقة بسبب عمليات جني الأرباح، يرى الخبراء أن العوامل التي دفعت الأسعار إلى هذه المستويات التاريخية لا تزال مؤثرة بقوة، بل قد تشتد في عام 2026. هذا الارتفاع اللافت للنظر يثير تساؤلات حول مستقبل الاستثمار في المعادن الثمينة، وما الذي ينتظر المستثمرين في العام القادم.
سياسة التجارة الأمريكية وتأثيرها على ارتفاع سعر الذهب في 2025
يعزو المحللون الأداء القوي لـ سعر الذهب في عام 2025 إلى مزيج من العوامل، ولكن أبرزها هو حالة عدم اليقين الاقتصادي العالمي المتزايدة، والصراعات الجيوسياسية المستمرة. لطالما اعتبر الذهب ملاذًا آمنًا للمستثمرين في أوقات الأزمات والتقلبات، سواء كانوا أفرادًا أو مؤسسات أو بنوكًا مركزية.
ومع ذلك، يشير الخبراء إلى أن سياسات الرئيس الأمريكي السابق “دونالد ترامب” التجارية كانت المحرك الأساسي لهذا الارتفاع. “في رأينا، كان العامل الأهم هو حالة عدم اليقين بشأن سياسة التجارة الأمريكية.” هذا التردد في تحديد مسار واضح للحرب التجارية دفع الشركات والحكومات إلى حالة من عدم القدرة على التخطيط للمستقبل، حيث تحاول اللحاق بتطورات الرسوم الجمركية المتغيرة.
مع ارتفاع الرسوم الجمركية وتعطيل سلاسل الإمداد، يزداد التضخم صعوبة في السيطرة عليه، مما يزيد من المخاطر الاقتصادية الكلية على مستوى العالم. هذه المخاطر بدورها تزيد من احتمالية حدوث ركود تضخمي، وهي بيئة اقتصادية تتفق التحليلات على أنها مثالية لارتفاع أسعار الذهب.
عوامل إضافية داعمة لارتفاع سعر الذهب
بالإضافة إلى السياسة التجارية، ساهمت عدة عوامل أخرى في تعزيز سعر الذهب في عام 2025. قرار البنك الاحتياطي الفيدرالي الأمريكي ببدء خفض أسعار الفائدة في منتصف سبتمبر، مع توقعات بمزيد من التخفيضات، أدى إلى زيادة جاذبية الذهب كأصل استثماري. واستمرار نمو الدين الأمريكي وتراجع قوة الدولار في الأسواق العالمية عزز أيضًا من الطلب على الذه.
لم تتوقف الأمور عند هذا الحد، بل استمرت البنوك المركزية حول العالم في زيادة مشترياتها من الذهب، وهو اتجاه صعودي بدأ في السنوات الأخيرة وبلغ ذروته في 2025، مما أدى إلى زيادة الطلب الكلي على المعدن الثمين. وبالتالي، يمكن تفسير الوصول إلى مستويات قياسية، وسرعة استعادة الأسعار بعد أي تراجعات، من خلال هذا التفاعل بين العوامل المختلفة.
توقعات سعر الذهب لعام 2026: نحو مستويات أعلى
تتجه الأنظار الآن نحو عام 2026، وتبدو التوقعات إيجابية للغاية. يرى المحللون أن الاتجاهات التي أدت إلى الزخم القياسي في سعر الذهب ستستمر في قوّتها خلال العام المقبل. وتشير التقديرات إلى أن متوسط سعر الذهب السنوي قد يصل إلى 4560 دولارًا، مع توقعات بتجاوزه حاجز الـ 5000 دولار بحلول نهاية العام. وقد يسجل الذهب مستوى قياسيًا جديدًا عند 4850 دولارًا في الربع الأخير من العام.
على الرغم من توقعات بزيادة المعروض من الذهب، حيث يتوقع المحللون فائضًا قدره 41.9 مليون أونصة في عام 2026 بزيادة قدرها 28% على أساس سنوي، إلا أن الطلب المتزايد سيظل هو المهيمن. من المرجح أن يشهد إنتاج مناجم الذهب مستوى قياسيًا جديدًا، مع ارتفاع إعادة تدوير الذهب بنسبة 6% لتصل إلى أعلى مستوى لها في 14 عامًا. ومع ذلك، قد يؤدي ارتفاع الأسعار وعدم اليقين الاقتصادي إلى تأثير سلبي على الطلب على المجوهرات.
ما الذي سيؤدي إلى ارتفاع سعر الذهب في 2026؟
يجب أن يراقب المستثمرون عن كثب تحركات أسعار الفائدة والتضخم وقوة الدولار. وتعتبر المعنويات المحيطة باستقلالية البنك الاحتياطي الفيدرالي عاملًا مهمًا أيضًا. ومرة أخرى، ستظل السياسة التجارية الأمريكية في صميم تقلبات أسعار المعادن الثمينة. من المتوقع أن تؤدي الطبيعة المفاجئة وغير المتوقعة للقرارات السياسية الأمريكية، وما يترتب عليها من حالة عدم اليقين في التجارة والاقتصاد العالميين، إلى تعزيز الدعم النفسي لـ سعر الذهب.
بالإضافة إلى ذلك، من المتوقع أن تظل البنوك المركزية مشترين صافين للذهب، مدفوعة بالتوجه العالمي نحو تقليل الاعتماد على الدولار.
المخاطر المحتملة وتأثيرها على سعر الذهب
على الرغم من التوقعات المتفائلة، إلا أن هناك بعض المخاطر التي قد تؤثر على مسار سعر الذهب في المستقبل. أحد هذه المخاطر هو ارتفاع أسعار الفائدة بشكل أسرع من المتوقع، مما قد يجعل السندات وحسابات التوفير أكثر جاذبية، ويقلل من الإقبال على الذهب.
خطر آخر يتمثل في الانخفاض المفاجئ في التضخم أو تخفيف التوترات الجيوسياسية. في هذه الحالة، قد يشعر المستثمرون بتقليل الحاجة إلى الذهب كملاذ آمن، مما قد يؤدي إلى تباطؤ الزخم الصعودي أو حتى تصحيح قصير الأجل.
كما أن سلوك البنوك المركزية بالغ الأهمية. أي تغيير في سياسات الشراء أو بيع الاحتياطيات من قبل البنوك الكبرى يمكن أن يكون له تأثير فوري على الأسعار.
ومع ذلك، يعتقد معظم المحللين أن العوامل الرئيسية الداعمة لارتفاع الذهب – الديون والتضخم وعدم اليقين الجيوسياسي والطلب القوي من المستثمرين والبنوك المركزية – لا تزال قوية بما يكفي للحفاظ على استقرار السوق الصاعدة. إن إدراك هذه المخاطر يساعد المستثمرين على إدارة تعرضهم للمخاطر بحذر.
كيف يجب أن يتعامل المستثمرون مع الذهب في عام 2026؟
لا يزال الذهب الخيار المفضل للعديد من المستثمرين كأداة للتحوط ضد المخاطر في محافظهم الاستثمارية. مع توقعات بوصول سعره إلى ما بين 4500 و 4700 دولار بحلول نهاية عام 2026، يُنظر إلى الذهب على أنه وسيلة للحفاظ على الثروة والاستفادة من مكاسب الأسعار المحتملة.
ينصح المستثمرون بتبني استراتيجيات شراء تدريجية لمواجهة تقلبات الأسعار قصيرة الأجل. كما أن التنويع في أنواع مختلفة من استثمارات الذهب، مثل السبائك المادية وصناديق الاستثمار المتداولة (ETFs) وأسهم شركات التعدين، يمكن أن يساعد في تحسين إدارة المخاطر.
الصبر وإدارة المخاطر هما مفتاح النجاح. قد تشهد الأسواق انخفاضات مؤقتة، لكن الاتجاه العام لا يزال يدعم النمو المستمر. يجب على المستثمرين الحفاظ على منظور طويل الأجل للاستفادة من ارتفاع الأسعار وحماية ثرواتهم في ظل الظروف الاقتصادية والسياسية المتغيرة.


