في كوريا الجنوبية، يشهد المجتمع تحولاً ديموغرافياً ملحوظاً، مع تزايد عدد الأفراد الذين يفضلون العيش بمفردهم. هذا التغيير لم يخلُ من ردود فعل متباينة، تجسدت مؤخراً في موقف مثير للجدل اتخذه أحد المطاعم المحلية، حيث رفض تقديم الخدمة للزبائن الذين يتناولون الطعام بمفردهم. هذا الفعل أثار نقاشاً واسعاً حول حقوق العزاب في كوريا الجنوبية، وقيم المجتمع المتعلقة بالوحدة والاجتماعية.
ارتفاع نسبة الأسر الفردية وزيادة ظاهرة تناول الطعام بمفردهم
تشهد كوريا الجنوبية ارتفاعاً مستمراً في عدد الأسر المكونة من فرد واحد. فقد ارتفعت هذه النسبة في العاصمة سيؤول من 29.5% في عام 2015 إلى 39.3% في عام 2023. بالتوازي مع ذلك، كشفت البيانات أن أكثر من 42% من الكوريين الجنوبيين يتناولون وجبة واحدة على الأقل يومياً بمفردهم. هذه الأرقام تعكس تحولاً في نمط الحياة، حيث يزداد عدد الشباب والكبار الذين يختارون الاستقلالية والعيش بمفردهم لأسباب مختلفة، سواء كانت شخصية أو اقتصادية أو اجتماعية.
قصة المطعم المثيرة للجدل وسياسة “لا للوحدة”
بدأت القصة عندما زار أحد المؤثرين على الإنترنت مطعماً يقدم مأكولات متنوعة في مدينة يوسو، جنوب إقليم جيولا. صُدم المؤثر برفض المطعم خدمته لأنه كان وحيداً. وقد نشر المؤثر تجربته على وسائل التواصل الاجتماعي، مصحوبة بصورة للافتة المثيرة للجدل الموضوعة خارج المطعم.
اللافتة تقدم أربعة خيارات للزبائن الذين يزورون المطعم بمفردهم: دفع ثمن حصتين وتناول حصتين من الطعام، أو الاتصال بصديق، أو العودة في المرة المقبلة بصحبة الزوجة، أو ببساطة عدم القدوم لوحدهم. كما تضمنت اللافتة عبارة على شكل “فقاعة كلامية” تقول: “نحن لا نبيع الوحدة.. من فضلك لا تأتِ بمفردك”.
انقسام الآراء حول حقوق العزاب في كوريا الجنوبية
أثار هذا المنشور ردود فعل متباينة على نطاق واسع. عبر العديد من المستخدمين عن استيائهم من سياسة المطعم، واصفين إياها بالتمييزية وغير المحترمة. أحدهم كتب أن “عقلية مالك المطعم قديمة”، بينما تساءل آخر: “لماذا نربط تناول الطعام منفرداً بالوحدة؟”. ورأى آخرون أن المطعم لا يحترم زبائنه.
في المقابل، أبدى بعض الأشخاص تفهماً لقرار مالك المطعم، معتبرين أنه من حقه تحديد سياسة المطعم التي يراها مناسبة، طالما يتحمل تبعاتها المالية. أحد المعلقين قال: “إذا كان المالك مستعداً لتحمل الخسارة المالية، فهذا قراره ويجب احترامه”. هذا التباين في الآراء يعكس اختلاف وجهات النظر حول الحياة العازبة في المجتمع الكوري الجنوبي.
مواقف سابقة مشابهة: “هونباب” والتمييز في المطاعم
ليست هذه المرة الأولى التي يواجه فيها الأشخاص الذين يتناولون الطعام بمفردهم، والمعروفون محلياً باسم “هونباب” (وهو مصطلح يشير إلى الشخص الذي يتناول الطعام بمفرده)، مواقف مماثلة في كوريا الجنوبية. ففي يوليو الماضي، واجه شخص كان يتناول طعامه بمفرده في مطعم آخر في يوسو تعليقات غير لائقة من موظفي المطعم، الذين طلبوا منه الإسراع في تناول طعامه بحجة وجود زبائن آخرين ينتظرون.
كما انتشر في وقت سابق من العام الجاري خبر عن مطعم آخر وضع لافتة تمنع الزبائن المنفردين من مشاهدة منصات التواصل الاجتماعي أثناء تناول الطعام. هذه المواقف تعكس وجود تحيز اجتماعي تجاه الأشخاص الذين يفضلون تناول الطعام بمفردهم، وترتبط غالباً بالاعتقاد بأن ذلك يعكس الوحدة أو عدم القدرة على تكوين علاقات اجتماعية.
نظرة أوسع: العيش بمفردهم والاقتصاد الفردي في كوريا الجنوبية والصين
يأتي هذا الجدل في وقت تشهد فيه كوريا الجنوبية تحولاً ثقافياً واقتصادياً. يرى أستاذ علم الاجتماع جي ووك شين أن البلاد بحاجة إلى معالجة النظرة السلبية تجاه الأشخاص الذين يعيشون بمفردهم بطريقة أكثر منهجية وشمولاً. هذه النظرة تتجذر في قيم ثقافية تقليدية تركز على الجماعية والروابط الأسرية القوية.
في المقابل، تشهد الصين الشعبية ازدهار ما يُعرف باسم “الاقتصاد الفردي”، حيث ترحب العديد من المطاعم بالزبائن الذين يعيشون بمفردهم وتقدم لهم خدمات مخصصة. هذا الاقتصاد يستهدف فئة العزاب، من خلال قطاعات متنوعة تشمل الطعام والعقارات والتواصل الاجتماعي والتعليم والأجهزة المنزلية. هذا يبرز اختلافاً واضحاً في التعامل مع الفئات المنفردة بين البلدين، حيث تتبنى الصين نهجاً أكثر ترحيباً واستغلالاً لهذا الاتجاه الديموغرافي.
نحو مجتمع أكثر تقبلاً للحياة الفردية
إن قضية المطعم الذي رفض خدمة الزبون الوحيد تسلط الضوء على التحديات التي تواجهها كوريا الجنوبية في التكيف مع التغيرات الديموغرافية والاجتماعية. من الضروري تعزيز ثقافة التسامح والتقبل للحياة الفردية، والاعتراف بأن اختيار العيش بمفرده ليس بالضرورة مؤشراً على الوحدة أو العزلة. يجب على الشركات والمؤسسات تعديل سياساتها لتلبية احتياجات جميع العملاء، بغض النظر عن حالتهم الاجتماعية. وبالتالي، فإن معالجة هذه القضية تتطلب جهوداً متضافرة من الحكومة والمجتمع المدني والقطاع الخاص لضمان حقوق وكرامة الأفراد العازبين في كوريا الجنوبية.


