بين فينة وأُخرى ينبري نشطاء وكتّاب وسياسيون متقاعدون للهجوم على القيادة الفلسطينية وعلى المشروع الوطني، وينصّبون أنفسهم حراساً على مستقبل فلسطين وشعبها دون وجه حق. هذا النمط من الانتقاد، الذي يظهر بشكل دوري، غالبًا ما يتسم بالحدة والتبسيط، ويتجاهل تعقيدات الواقع السياسي الذي تعيشه فلسطين. الأسبوع الماضي، شهدنا مثالين بارزين على ذلك: تصريحات الدكتور رشيد الخالدي في لقاء مع رباب المهدي، وانتقادات وزير الخارجية الأردني الأسبق مروان المعشر للرئيس محمود عباس ونائبه حسين الشيخ.

دوافع الانتقاد وتوقيته

غالبًا ما يجد هؤلاء المنتقدون في الهجوم على القيادة الفلسطينية مدخلًا سهلًا لإثارة الجدل. سواء كان ذلك من خلال “خفة المثقف” التي تميل إلى التوصيف المتعالي، أو “نزق السياسي” بعد التقاعد والعمل في مؤسسات غير ربحية، فإن الهدف المشترك هو جذب الانتباه من خلال عبارات كبيرة ومفاهيم مضللة. هذا التوقيت ليس عشوائيًا، بل يأتي في لحظات حرجة تتطلب دعمًا وتعزيزًا للموقف الفلسطيني، لا تفكيكًا له.

الخالدي والمعشر: نماذج مختلفة لنفس النهج

رشيد الخالدي، على الرغم من احترامه كأكاديمي وباحث، استخدم عبارات قاسية واتهامات لا تتناسب مع مقام عالم يفترض به التحليل الموضوعي. في المقابل، مروان المعشر، الخبير في “نهج الاعتدال العربي” (كما يصف نفسه في أحد كتبه)، لم يتردد في التشكيك بشرعية القيادة الفلسطينية، وهي شرعية لا تحتاج إلى تأكيد من مراكز بحثية أجنبية أو شخصيات خارجية.

شرعية القيادة الفلسطينية: جذورها في النضال والتاريخ

من المهم تذكر أن شرعية القيادة الفلسطينية ليست وليدة تصنيفات أكاديمية أو جلسات نقاشية مغلقة. بل هي شرعية مستمدة من سنوات طويلة من النضال والتضحيات، ومن التفاف شعبي حول حركة “فتح” التي تمثل التنظيم الفلسطيني الأكبر والأكثر تمثيلاً للشعب الفلسطيني. حتى في أسوأ الظروف، وبعد خسارة الانتخابات التشريعية عام 2006، حافظت “فتح” على قاعدة شعبية قوية، وحصلت على نسبة كبيرة من الأصوات.

القيادة الفلسطينية: بين التأسيس والتحديات

القيادة الفلسطينية الحالية، وعلى رأسها الرئيس محمود عباس ونائبه حسين الشيخ، هي نفسها القيادة التي قادت الثورة الفلسطينية وعملت على تأسيس السلطة الوطنية. صحيح أن هناك أخطاء وتحديات واجهت هذه القيادة، ولكن لا يمكن إنكار دورها التاريخي في الحفاظ على القضية الفلسطينية حية. القيادة الفلسطينية تحمل على عاتقها مسؤولية تمثيل الشعب الفلسطيني في المحافل الدولية، والدفاع عن حقوقه المشروعة، والسعي نحو تحقيق دولته المستقلة.

أبعاد أخرى للانتقاد: البحث عن الوجود

يبدو أن بعض المنتقدين يسعون من خلال هذه التصريحات إلى إعادة تأكيد وجودهم وأهميتهم. المثقف الذي يرى في كلماته سطوة على وعي الناس، والسياسي المتقاعد الذي يحاول التنفيس عن عجزه من خلال إطلاق الأحكام العشوائية، كلاهما يعيش في وهم البحث المحموم عن الوجود. بدلاً من المساهمة في بناء الوعي وتعزيز الوحدة الوطنية، يفضلون الانخراط في جدل عقيم يخدم مصالحهم الشخصية.

دور المثقف والسياسي المتقاعد: النقد البناء أم التشويه؟

المثقف الحقيقي يجب أن يساهم في صناعة الوعي من خلال التحليل الموضوعي وإثارة الجدل حول الأفكار والبرامج، وليس من خلال إطلاق الأحكام المسبقة والتشكيك في شرعية القيادة. وبالمثل، يجب على السياسي المتقاعد أن يقدم قراءة نقدية لتجربته، وأن يحاكم ذاته أولاً قبل أن يحاكم الآخرين. السياسة الحقيقية تتطلب احترام التاريخ الشخصي والاعتراف بالجهود التي بذلت في سبيل خدمة الشعب.

التركيز على غزة: تذكير بالأولويات

في ختام هذا النقاش، من المهم أن نتذكر أن القضية الفلسطينية ليست مجرد جدل فكري أو صراعات سياسية. إنها قضية شعب يعاني من الاحتلال والظلم، وشعب يتطلع إلى الحرية والاستقلال. بدلاً من تشتيت الانتباه بالهجوم على القيادة الفلسطينية، يجب أن نركز جهودنا على دعم صمود الشعب الفلسطيني في غزة، وفي جميع أنحاء فلسطين. فغزة، بـ”رمالها” التي ترمز إلى التحدي والصمود، هي قلب القضية الفلسطينية، وهي التي تستحق كل الاهتمام والدعم.

الكلمات المفتاحية: القيادة الفلسطينية، فلسطين، مروان المعشر، رشيد الخالدي، حركة فتح، السلطة الفلسطينية، النضال الفلسطيني، المشروع الوطني الفلسطيني.

شاركها.
Exit mobile version