في خضم التحديات الراهنة التي تواجه الشعب الفلسطيني، وجه رئيس الوزراء الفلسطيني محمد مصطفى نداءً عاجلاً إلى المجتمع الدولي، مطالباً بالضغط للإفراج عن عائدات المقاصة المحتجزة وتقديم دعم مالي فوري. هذا الدعم، كما أوضح، ضروري لاستقرار الميزانية العامة الفلسطينية لمدة ستة أشهر، وذلك تماشياً مع آلية الطوارئ التي أعلنتها كل من المملكة العربية السعودية وفرنسا والنرويج وإسبانيا. يهدف هذا التحرك إلى تجنب الانهيار المالي وتوفير السيولة اللازمة للبنوك الفلسطينية، بالإضافة إلى إدارة الدين العام بشكل أكثر فعالية.
دعوة دولية لإنقاذ الوضع المالي الفلسطيني
خلال اجتماع لمجموعة الدول المانحة والشركاء الدوليين في بروكسل، بحضور أكثر من 60 دولة ومؤسسة دولية، قدم رئيس الوزراء مصطفى عرضاً مفصلاً للوضع المالي والاقتصادي الصعب الذي تمر به فلسطين. وأكد على أهمية مشاركة المزيد من المانحين في تقديم الدعم، مع التركيز على حماية النظام المالي الفلسطيني من خلال الحفاظ على خطوط البنوك المراسلة مع إسرائيل، ورفع سقف إعادة الأموال بالشيقل. كما شدد على ضرورة دعم هيكل إعادة إعمار غزة الذي تقوده السلطة الوطنية الفلسطينية، وتزويد الصندوق الائتماني بالتعهدات المالية اللازمة، بدءًا من احتياجات مرحلة الإنعاش المبكر.
أهمية الدعم المالي الفوري
أشار رئيس الوزراء إلى أن هذه الخطوات ليست مجرد إجراءات اقتصادية، بل هي خطوات حاسمة لضمان استمرار تقديم الخدمات الأساسية للشعب الفلسطيني، وجعل إعادة إعمار غزة عملية جادة وحقيقية، والأهم من ذلك، حماية حل الدولتين. إن استمرار الوضع الراهن يهدد بتقويض أسس السلام والاستقرار في المنطقة. كما أعرب عن شكره للاتحاد الأوروبي على دعمه المتواصل للشعب الفلسطيني والمؤسسات الفلسطينية، مقدراً جهود لجنة التنسيق الدولية للمانحين في الحفاظ على هذا الدعم خلال هذه الفترة العصيبة.
تحالف دولي للاستدامة المالية
أوضح رئيس الوزراء أن المبادرة الحالية من مجموعة المانحين هي جزء من جهد دولي أوسع بدأ في العام الماضي، مع المؤتمر الدولي رفيع المستوى للتسوية السلمية لقضية فلسطين في نيويورك. هذا المؤتمر أدى إلى تشكيل تحالف دولي يهدف إلى تحقيق الاستدامة المالية لفلسطين ومنع الانهيار المالي. وبناءً على هذا الزخم، تم إطلاق “تحالف الطوارئ من أجل الاستدامة المالية لفلسطين”، الذي يستند إلى ثلاثة عقود من الدعم المقدم من الاتحاد الأوروبي.
إعادة إعمار غزة والوحدة الفلسطينية
لا يقتصر النقاش اليوم على الدعم المالي أو إعادة الإعمار فحسب، بل يتعلق بالحفاظ على أسس السلام نفسها، وهي السلطة الفلسطينية ومؤسسات الدولة الفلسطينية المستقبلية. إن إعادة توحيد غزة والضفة الغربية تحت حكومة شرعية واحدة، وقانون واحد، وإدارة عامة واحدة، ليس مجرد شعار، بل هو المسار العملي نحو السلام والاستقرار. بدون هذه الوحدة، سيبقى التعافي مجزأً، وسيبقى الأمل معلقاً. كما رحبت دولة فلسطين باعتماد قرار مجلس الأمن رقم 2803، واعتبرته خطوة مهمة نحو وقف إطلاق نار مستدام في غزة ووصول المساعدات الإنسانية دون عوائق.
الإصلاحات الفلسطينية والتقدم المحرز
استعرض رئيس الوزراء التقدم والخطوات التي تم تنفيذها في إطار البرنامج الوطني للتنمية والإصلاح، بالشراكة مع الاتحاد الأوروبي والبنك الدولي والجهات المانحة الرئيسية. وتشمل هذه الخطوات تفعيل قانون الحماية الاجتماعية، وإطلاق مبادرة تحديث التعليم، وتعزيز إجراءات مكافحة الفساد، وتجديد القيادة الأمنية، وإدخال تعيينات عليا قائمة على الجدارة والمنافسة. كما أشار إلى التقدم في الإصلاحات المالية، مثل قانون ضريبة القيمة المضافة ورقمنة إدارة المالية العامة.
أزمة الاحتجاز الإسرائيلي لعائدات المقاصة
شدد رئيس الوزراء على أن الأزمة المالية التي تعاني منها السلطة الفلسطينية هي نتيجة مباشرة لاحتجاز إسرائيل لعائدات الضرائب الفلسطينية، وهو ما يهدف إلى زعزعة استقرار السلطة الفلسطينية ودفعها نحو الانهيار. على الرغم من الدعم المالي الذي قدمه الشركاء، إلا أن الأزمة لا تزال عميقة وتتطلب حلاً مستداماً. بالإضافة إلى ذلك، هناك قضيتان ملحتان تهددان استقرار النظام المصرفي الفلسطيني: تهديدات بعدم تجديد روابط البنوك المراسلة مع البنوك الإسرائيلية، وتراكم فائض الشيكل في النظام المصرفي.
الاستعداد لقيادة إعادة إعمار غزة
أكد رئيس الوزراء أن السلطة الفلسطينية مستعدة وجاهزة لقيادة عملية التعافي وإعادة الإعمار في قطاع غزة. الخطة العربية، المعتمدة والمدعومة دولياً، توفر المظلة السياسية اللازمة، وقد تم إنجاز التقييم المتكامل وحصر الأضرار والاحتياجات بمساعدة البنك الدولي. تتضمن خطة إعادة إعمار غزة 56 برنامجاً في مجالات مختلفة، بميزانية تقديرية تبلغ 67 مليار دولار على مدى خمس سنوات. وستركز المرحلة الأولى على الخدمات الأساسية، وإزالة الأنقاض، والإسكان المؤقت، وتوفير فرص العمل.
في الختام، يمثل النداء الذي وجهه رئيس الوزراء الفلسطيني محمد مصطفى إلى المجتمع الدولي فرصة حاسمة لإنقاذ الوضع المالي الفلسطيني ودعم عملية إعادة الإعمار في غزة. إن تحقيق الاستقرار المالي والسياسي ضروري لضمان مستقبل أفضل للشعب الفلسطيني، وتعزيز السلام والاستقرار في المنطقة. يتطلب ذلك تضافر الجهود الدولية وتقديم الدعم اللازم للسلطة الفلسطينية لتمكينها من القيام بمسؤولياتها وتحقيق تطلعات شعبها. الدعم المالي هو حجر الزاوية في هذه العملية، بالإضافة إلى الاستدامة المالية و إعادة إعمار غزة بشكل شامل ومستدام.


