وسط سعي حثيث للانتقال إلى المرحلة الثانية من اتفاق وقف إطلاق النار في قطاع غزة، تتركز الجهود حاليًا على إنجاز تفاصيل هذا الانتقال، وتحديدًا فيما يتعلق بتبادل الجثث، ومستقبل حكم القطاع، وملف سلاح الفصائل. تشير مصادر مطلعة في حركة حماس إلى وجود محادثات “أكثر جدية” تجري على مختلف الأصعدة، سواء داخل الحركة نفسها، أو مع الوسطاء الدوليين والإقليميين، أو بشكل مباشر مع إسرائيل، وذلك تمهيدًا لجولة مفاوضات غير مباشرة متقدمة. هذه التطورات تأتي في ظل ضغوط متزايدة، وتوقعات ببدء المرحلة الثانية من الاتفاق بحلول نهاية الشهر الحالي أو بداية الشهر المقبل.
تطورات مفاوضات المرحلة الثانية من اتفاق وقف إطلاق النار في غزة
تؤكد المصادر أن الحركة تعمل بجد على إغلاق ملف تبادل الجثث، وإتمام المرحلة الأولى من الاتفاق بشكل كامل. ومع ذلك، تواجه الحركة اتهامات إسرائيلية متكررة بالتعطيل أو التأخير في تسليم الجثث، وهو ما تنفيه حماس، مشيرة إلى أن العقبة الرئيسية كانت عدم القدرة على تحديد مواقع الجثث والوصول إليها بسبب الظروف الميدانية الصعبة. الدخول اللاحق لفرق هندسية مصرية إلى القطاع ومساعدتها في عمليات البحث، أسهم بشكل كبير في استعادة أغلب الجثث، باستثناء جثة واحدة لا تزال عملية البحث عنها تواجه صعوبات بالغة.
وعادت فرق البحث لاستئناف جهودها يوم الاثنين، لليوم الثاني على التوالي، للعثور على آخر جثة إسرائيلية في منطقة شرق حي الزيتون، بالتزامن مع جهود الوسطاء للوصول إلى اتفاق بشأن استئناف البحث. هذا التطور يعكس التزام حماس بالوفاء بالتزاماتها، ويسعى إلى إزالة أي عذر إسرائيلي لعرقلة الانتقال إلى المرحلة الثانية.
لقاء وطني فلسطيني وشروط الانتقال إلى المرحلة الثانية
في سياق متصل، يجري التجهيز لعقد لقاء وطني فلسطيني جامع في القاهرة، يهدف إلى التوصل إلى اتفاق داخلي حول القضايا المصيرية المتعلقة بحكم قطاع غزة وإدارته بعد انتهاء الصراع. يشمل هذا اللقاء مناقشة مستقبل سلاح الفصائل، وهي قضية حساسة تتطلب توافقًا وطنيًا. من المتوقع أن يضم اللقاء قيادات من حركة فتح، بالإضافة إلى ممثلين عن الفصائل الفلسطينية الأخرى.
وتشير المصادر إلى أن قضية حكم القطاع وتسليم إدارته إلى لجنة تكنوقراط هي “القضية الأسهل” من حيث التنفيذ، وأن حماس جاهزة لتسليم الإدارة دون أي شروط مسبقة. لكن التحدي الأكبر يكمن في التوصل إلى اتفاق حول سلاح الفصائل، حيث تسعى حماس والوسطاء إلى إيجاد حل يضمن عدم نزع السلاح بالقوة، بل من خلال اتفاق وطني يراعي الظروف السياسية والأمنية.
مستقبل سلاح الفصائل والضمانات الدولية
تتبادل حماس والوسطاء الأفكار حول مستقبل سلاح الفصائل، مع التركيز على إمكانية تسليم السلاح إلى جهة فلسطينية موثوقة، ضمن توافق واضح يضمن عدم تسليمه إلى إسرائيل أو الولايات المتحدة. كما يتم البحث في إمكانية التوصل إلى اتفاق هدنة طويلة الأمد، لا تقل عن عشر سنوات، مع تعهدات وضمانات واضحة بتجميد استخدام السلاح.
وتؤكد حماس على أنها منفتحة على جميع الخيارات التي تضمن حقوق الشعب الفلسطيني، مع إعطاء الأولوية لرفع الحصار المفروض على القطاع، وبدء عملية إعادة الإعمار. وتواصل الحركة جهودها مع الفصائل الأخرى للوصول إلى إجماع حول هذه القضايا، بما يضمن تحقيق الاستقرار الدائم في القطاع.
“الخط الأصفر” وتصريحات المسؤولين الإسرائيليين
فيما يتعلق بتصريحات رئيس أركان الجيش الإسرائيلي، إيال زامير، حول “الخط الأصفر” باعتباره خط حدود جديدًا، تؤكد المصادر أن المرحلة الثانية من اتفاق وقف إطلاق النار تنص بوضوح على انسحاب إضافي للقوات الإسرائيلية إلى خط جديد متفق عليه، وفقًا للخرائط التي اعتمدت في بداية الاتفاق.
وترى حماس أن تصريحات زامير تهدف إلى “الاستهلاك الإعلامي”، وأن إسرائيل ستضطر في النهاية إلى تنفيذ عملية الانسحاب الكاملة وفقًا للاتفاق. وتشير إلى أن هذه التصريحات تهدف إلى إعطاء انطباع بأن إسرائيل تحافظ على سيطرتها على أجزاء من القطاع، وهو ما يتعارض مع بنود الاتفاق.
دور الوساطة الدولية والمحلية
تتزايد الجهود الدولية والإقليمية للضغط على إسرائيل للانتقال إلى المرحلة الثانية من اتفاق وقف إطلاق النار. من المتوقع أن يلتقي الرئيس الأمريكي دونالد ترامب برئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو في نهاية الشهر الحالي لمناقشة الوضع في غزة. كما يلعب رئيس الوزراء البريطاني الأسبق توني بلير دورًا بارزًا في الوساطة، حيث أجرى لقاءات مع مسؤولين في السلطة الفلسطينية وإسرائيل، في إطار خطة حكم القطاع. ويُفترض أن يتولى بلير قيادة ما يُعرف باسم “مجلس السلام” الذي سيترأسه ترامب.
الخلاصة:
إن التوصل إلى اتفاق بشأن المرحلة الثانية من وقف إطلاق النار في غزة يمثل تحديًا كبيرًا، ولكنه ليس مستحيلاً. المحادثات الجارية، والجهود الدبلوماسية المكثفة، والضغط الدولي المتزايد، كلها عوامل إيجابية قد تساعد في تحقيق هذا الهدف. يبقى التحدي الأكبر في التوصل إلى توافق حول مستقبل سلاح الفصائل، وضمان تنفيذ إسرائيل لالتزاماتها بالانسحاب من القطاع. اتفاق وقف إطلاق النار في غزة هو مفتاح الاستقرار في المنطقة، ويتطلب تعاونًا حقيقيًا من جميع الأطراف المعنية. مستقبل غزة يعتمد على هذا التعاون، وعلى إيجاد حلول مستدامة للقضايا العالقة. الوساطة الدولية تلعب دورًا حاسمًا في تسهيل هذه العملية، وضمان تحقيق نتائج إيجابية.


