في تطورات لافتة حول الوضع في قطاع غزة، كشفت صحيفة “هآرتس” العبرية عن رسائل أمريكية قوية أرسلت إلى إسرائيل في الأسبوع الماضي، تعكس معارضة الرئيس الأمريكي دونالد ترامب لخطة البقاء الإسرائيلية في “الخط الأصفر” داخل القطاع وسيطرتها على أكثر من نصفه. هذه الرسائل تثير تساؤلات حول مستقبل العملية العسكرية الإسرائيلية ومسار المفاوضات الجارية، وتضع ضغوطًا جديدة على الحكومة الإسرائيلية برئاسة بنيامين نتنياهو. وتعد هذه التطورات جزءًا من محاولة الإدارة الأمريكية للتقدم بخطتها الشاملة لإنهاء الحرب على غزة وفرض رؤيتها الجديدة للمنطقة.
ضغوط أمريكية لانسحاب إسرائيلي من غزة
تأتي هذه الرسائل في وقت تتبنى فيه إسرائيل ما يُسمى “الخط الأصفر” كحدود فعلية لعملياتها في غزة، مع الحديث عن بقاء قواتها هناك لفترة طويلة. لكن يبدو أن ترامب لا يرى في هذا الأمر خيارًا ملائمًا، ويصر على تنفيذ المرحلة الثانية من خطته التي تهدف إلى إحلال الاستقرار في القطاع. ووفقًا لـ “هآرتس”، قد يطالب ترامب الجيش الإسرائيلي ببدء انسحاب إضافي من القطاع، وهو الأمر الذي سيتبين مدى جدية إسرائيل في تنفيذه خلال اللقاء المرتقب بين ترامب ونتنياهو في نهاية الشهر الجاري.
تقييم إيجابي لالتزام حماس
على نحو مفاجئ، أشارت الصحيفة إلى أن إدارة ترامب عبرت عن “دهشتها الإيجابية” من التزام حركة حماس بتعهداتها، وبالتحديد قدرتها على العثور على جثث الأسرى الإسرائيليين وتسليمها، باستثناء جثة جندي إسرائيلي واحد. هذا التطور قد يدفع الإدارة الأمريكية إلى إعادة تقييم تعاملها مع حماس، وفتح قنوات اتصال غير مباشرة مع الحركة من أجل تسهيل تطبيق خطتها. هذا لا يعني بالضرورة الموافقة على شروط حماس، بل القراءة بواقعية لقدراتها وتأثيرها على الأرض.
خطة ترامب لـ “غزة الجديدة”
وتبدو خطة ترامب طموحة ومعقدة، حيث تتضمن تقسيم قطاع غزة إلى مناطق نفوذ مختلفة. يقترح ترامب إنشاء “غزة القديمة” في غرب القطاع، حيث تواصل حماس سيطرتها، و”غزة الجديدة” في شرق القطاع، والتي ستخضع للسيطرة الإسرائيلية وتُبنى من جديد بتمويل من دول الخليج. وتعتمد هذه الخطة على انتقال السكان الغزيين إلى هذه الأحياء الجديدة، وهو الأمر الذي يثير العديد من التساؤلات حول جدواه وقدرة إسرائيل على تنفيذه.
دور القوة الدولية في عملية السلام
يرتبط تنفيذ خطة ترامب بتشكيل قوة دولية للإشراف على الوضع الأمني في القطاع. وتتوقع الأوساط الإسرائيلية الإعلان عن تشكيل هذه القوة بين 15 ديسمبر وعيد الميلاد، مع وجود موافقة مبدئية على هوية أعضائها. ومع ذلك، تواجه هذه القوة تحديات كبيرة، حيث تتردد العديد من الدول في إرسال قواتها بسبب الخوف من مواجهة مباشرة مع حماس، خاصة إذا طُلب منها القيام بعملية نزع سلاح. هذا التردد يضع علامة استفهام كبيرة حول قدرة القوة الدولية على تحقيق أهدافها في حفظ الأمن والاستقرار في غزة.
تسويات محتملة بشأن سلاح حماس
تتضمن الاتصالات الجارية بين حماس والولايات المتحدة، بوساطة من قطر ومصر وتركيا، مقترحات لتسوية بشأن سلاح الحركة. وتشير هذه المقترحات إلى أن حماس قد توافق على تسليم الأسلحة الهجومية، مثل قذائف الصواريخ، مع الاحتفاظ بالأسلحة الشخصية، مثل البنادق والمسدسات. في المقابل، يبدو أن إسرائيل تسعى للحصول على موافقة أمريكية للعمل بحرية ضد حماس، على غرار ما تفعله ضد حزب الله في لبنان.
تقييم إسرائيلي للمخاطر الأمنية
على الرغم من هذه التطورات، يرى جهاز الأمن الإسرائيلي أن الخطر الماثل على البلدات في غلاف غزة “منخفض للغاية”. ويعتقد الجيش الإسرائيلي أن الخروقات الفلسطينية للاتفاقات ليست كبيرة، وأن عناصر حماس لا تحاول الاشتباك معه بشكل منظم. ومع ذلك، يظل جيب الأنفاق في منطقة رفح مركزًا رئيسيًا للاحتكاك، حيث يتواجد عشرات المسلحين من حماس.
معبر رفح والضغوط الأمريكية
تُمارس الولايات المتحدة ضغوطًا كبيرة على إسرائيل لفتح معبر رفح، وتتهمها بعرقلة خططها لإنهاء الحرب. في المقابل، ترفض إسرائيل فتح المعبر، بدعوى أنها تخشى من استغلاله في تهريب الأسلحة، وأن الجيش المصري قد يتغاضى عن هذه العملية. هذا الخلاف حول معبر رفح يعيق التقدم في المفاوضات، ويزيد من التوتر بين إسرائيل والولايات المتحدة. الوضع الإنساني المتردي في غزة يزيد من الضغوط على إسرائيل لفتح المعبر والسماح بدخول المساعدات الإنسانية.
في الختام، تشير التطورات الأخيرة إلى أن الإدارة الأمريكية تسعى بقوة إلى فرض رؤيتها الخاصة لإنهاء الحرب على غزة، وأنها لا تتردد في ممارسة الضغوط على إسرائيل لتحقيق ذلك. مستقبل القطاع يعتمد بشكل كبير على قدرة الأطراف المعنية على التوصل إلى تسوية مقبولة للجميع، وعلى استعداد حماس للتعاون مع الجهود الدولية لإحلال السلام والاستقرار. من الضروري متابعة هذه التطورات عن كثب، وتحليلها بعناية لفهم التحديات والفرص التي تواجه المنطقة.



