في تطور سياسي مثير للجدل، قدّم وزراء وأعضاء كنيست من أحزاب الائتلاف اليميني المتطرف طلبًا رسميًا لوزير الأمن الإسرائيلي، يسرائيل كاتس، يهدف إلى إقامة فعالية استيطانية كبرى في شمال قطاع غزة، تتضمن رفع العلم الإسرائيلي. يأتي هذا الطلب في خضمّ نقاشات حادة حول مستقبل غزة بعد أكثر من عامين على هجوم السابع من أكتوبر، ويُعدّ تصعيدًا واضحًا في المواقف المتطرفة التي تتبناها بعض الأطراف في الحكومة الإسرائيلية. هذا المقال سيتناول تفاصيل هذا الطلب، دوافعه، والتداعيات المحتملة له، مع التركيز على مصطلح الفعالية الاستيطانية كمفتاح لفهم السياق السياسي.
تصعيد اليمين المتطرف: تفاصيل الطلب ومواقفه
الطلب الذي تقدم به الوزراء وأعضاء الكنيست يركز على تنظيم فعالية في موقع مستوطنة “نتسانيت” التي أُخليت عام 2005 كجزء من خطة “فك الارتباط”. يهدف المنظمون إلى إقامة هذه الفعالية خلال عيد “الأنوار” (حانوكا)، تزامنًا مع ما يصفونه بـ “عودة إسرائيل إلى مستوطنات غوش قطيف”. ويرى هؤلاء أن الحرب الحالية، التي تجاوزت العامين منذ بدايتها، لم تحقق “نصرًا واضحًا”، وأن الوضع الميداني لا يعكس استعادة الردع أو القضاء على قوة حركة حماس.
ويستند هؤلاء السياسيون في موقفهم إلى اتهامات متكررة لحماس بخرق التفاهمات، وزعمهم بأن قوتها لم تُدمَّر بل تتزايد مع مرور الوقت. كما ينتقدون ما يعتبرونه “رواية غير دقيقة” تروج لها المؤسسة الأمنية حول إزالة التهديد وعودة سكان الغلاف، مؤكدين أن الحرب أثبتت أن الحل العسكري وحده غير كافٍ. ويرون أن استمرار العمليات القتالية “لا يضمن النصر”، وأن “عامين من القتال وسقوط مئات الجنود يثبتان أن النصر لا يتحقق بالسلاح فقط”.
رؤية اليمين المتطرف: ضم غزة كشرط للنصر
يتجاوز الطلب مجرد إقامة الفعالية الاستيطانية الرمزية، ليشمل رؤية أيديولوجية متكاملة حول مستقبل قطاع غزة. فقد انتقد الوزراء وأعضاء الكنيست ما وصفوه بـ “محاولات دولية لفرض ترتيبات على قطاع غزة” ضمن خطة الرئيس الأميركي، معتبرين أن غزة “جزء من ميراث الآباء، النقب الغربي”.
السيطرة الكاملة على الأرض كهدف استراتيجي
ويشددون في رسالتهم على أن الطريق الوحيد لتحقيق النصر الحقيقي – وفقًا لرؤيتهم – يكمن في السيطرة الكاملة على الأرض وضمّها إلى إسرائيل. ويقولون بوضوح: “النصر يتحقق فقط عندما تُؤخذ الأرض”. ويعتقدون أن هذه الخطوة، المتمثلة في أخذ الأرض وتحويلها إلى منطقة يهودية مزدهرة، ستشكل رادعًا طويل المدى ضد أي تهديدات مستقبلية، وسترسخ في وعي العدو والعالم أجمع فكرة انتصار إسرائيل في الحرب.
ويرى هؤلاء أن غزة “جزء من أرض إسرائيل، وهي ملك حصري للشعب اليهودي، ويجب ضمّها فورًا إلى دولة إسرائيل”. ويؤكدون أن الوضع القائم اليوم لا يمثل تحقيقًا للنصر في الحرب. هذا الموقف المتشدد يعكس إيمانًا راسخًا بأحقية إسرائيل التاريخية في الأرض، ورفضًا لأي حلول سياسية قد تؤدي إلى تقاسم السيادة أو إنشاء دولة فلسطينية.
تنظيم الفعالية ودعم حركة “نحالاه”
تأتي هذه الجهود بالتزامن مع تحركات ملموسة على الأرض، حيث تعمل حركة “نحالاه” الاستيطانية على تنظيم فعالية واسعة خلال “حانوكا”، تتمحور حول رفع العلم الإسرائيلي بشكل جماهيري فوق أنقاض “نتسانيت”. ويطالبون الحكومة بالمصادقة على هذا الحدث “دون تأخير”، معتبرين إياه خطوة رمزية وسيادية تعكس انتصار الشعب الإسرائيلي وتُثبّت الانتماء الأبدي لأرض إسرائيل.
الموقعون على الطلب وأبرز الأسماء
وقّع على هذا الطلب عدد من أبرز وزراء الحكومة الإسرائيلية، بما في ذلك وزير الأمن القومي إيتمار بن غفير، المعروف بمواقفه المتطرفة، ووزير الاقتصاد نير بركات، ووزير الرياضة ميكي زوهار. كما ضم الموقعون وزراء آخرين مثل زئيف إلكين، إيلي كوهين، ميري ريغيف، عيديت سيلمان، بالإضافة إلى رئيس الائتلاف.
وشارك أيضًا في توقيع الطلب نحو 33 عضو كنيست من أحزاب اليمين واليمين المتطرف، من بينهم تالي غوتليب، دافيد بيتان، تسفيكا فوغل، ليمور سون هار ميلخ، يتسحاق غولدكنوف، وغاليت ديستل، وأوشر شكّليم. هذا العدد الكبير من الموقعين يعكس قوة هذا التيار داخل البرلمان الإسرائيلي، وقدرته على التأثير في القرارات السياسية.
تداعيات محتملة للفعالية الاستيطانية
إن الموافقة على إقامة هذه الفعالية الاستيطانية قد تحمل تداعيات خطيرة على عدة مستويات. فمن الناحية السياسية، قد تؤدي إلى مزيد من التصعيد في الصراع مع الفلسطينيين، وتزيد من صعوبة التوصل إلى أي حلول سلمية. ومن الناحية الأمنية، قد تؤدي إلى ردود فعل عنيفة من قبل حماس والفصائل الفلسطينية الأخرى. أما على الصعيد الدولي، فقد تواجه إسرائيل انتقادات حادة من المجتمع الدولي، وتتعرض لضغوط لعدم المضي قدمًا في خطط الضم. بالإضافة إلى ذلك، فإن هذه الخطوة قد تؤثر سلبًا على العلاقات مع الولايات المتحدة، التي تعارض بشدة أي إجراءات من شأنها تقويض فرص تحقيق السلام. الوضع يتطلب مراقبة دقيقة وتحليلًا معمقًا، خاصة مع استمرار التوترات في المنطقة وتصاعد الخطاب المتطرف. النقاش حول مستقبل غزة و السيادة الإسرائيلية و العمليات العسكرية سيظل محتدماً في الأيام والأسابيع القادمة.


