في شوارع مدينة دورال بولاية فلوريدا، حيث يتركز وجود الجالية الفنزويلية الهاربة من الأوضاع الصعبة في بلادها، تتصاعد وتيرة النقاش حول مستقبل فنزويلا. يتأرجح الرأي العام بين أمل باهت في حل دبلوماسي، وبين دعوات متزايدة إلى تدخل أكثر حزماً. هذا التباين في وجهات النظر يعكس عمق الأزمة المستمرة، والإحباط المتراكم من سنوات طويلة من المعاناة.
مستقبل فنزويلا: بين الدبلوماسية والتدخل العسكري
أكثر من 15 عاماً من الأزمة بين فنزويلا والولايات المتحدة أدت إلى استنزاف صبر الكثيرين. ففي حين يصر البعض على ضرورة استمرار المساعي الدبلوماسية، يرى آخرون أن هذا المسار قد أثبت فشله الذريع، وأن الحل يكمن في تغيير جذري بالقوة. هذا الانقسام يظهر بوضوح في آراء المنفيين الفنزويليين الذين استقروا في دورال، فلوريدا.
غابي بيروزو: دعوة صريحة للتدخل
تعتبر الصحافية غابي بيروزو، المقيمة في المنفى منذ أكثر من عقد، من أبرز الأصوات التي تدعو إلى تغيير جذري في فنزويلا. لا تخفي بيروزو قناعتها بضرورة تدخل عسكري أمريكي، معتبرة إياه “ضرورياً للغاية” لاستعادة الديمقراطية. وتشدد على أن النظام الحالي لا يمكن تغييره إلا بالقوة، رافضة فكرة الاحتلال المطول، ومفضلة ما تسميه “التدخلاً الجراحيًا” – سريعًا ودقيقًا وحاسمًا.
وتؤكد بيروزو أن الفنزويليين قد فعلوا كل ما في وسعهم، وأن التدخل ليس عملاً من أعمال الهيمنة، بل ضرورة لحماية المنطقة بأكملها. فهي ترى أن استمرار حكم نظام مادورو يشكل تهديداً متزايداً على دول الجوار، مثل المكسيك وكولومبيا والولايات المتحدة. وتضيف أن عائلتها في فنزويلا تشاركها هذا الرأي، وأنهم مستعدون لتحمل المخاطر من أجل مستقبل أفضل لأجيالهم القادمة.
فرانسيسكو بوليو: أمل في فرصة أخيرة للحوار
على النقيض من ذلك، يظل فرانسيسكو بوليو، رجل الأعمال البالغ من العمر 35 عاماً، متمسكاً بأمل ضئيل في إمكانية التوصل إلى حل سلمي. يرى بوليو أن أفضل سيناريو هو أن يعترف الرئيس مادورو بنتائج انتخابات 28 يوليو 2024، ويتنحى عن منصبه. لكنه يعترف بصعوبة تحقيق ذلك، مشيراً إلى أن مادورو ليس مجرد رئيس، بل يمثل مجموعة من القوى المتنافسة، وأن هناك مصالح دولية معقدة متداخلة.
يستبعد بوليو حدوث حرب شاملة على غرار حربي العراق وأفغانستان، ويرجح احتمال عمليات عسكرية محددة الأهداف، بالاعتماد على القوات المتواجدة بالفعل في منطقة البحر الكاريبي. ويؤكد أنه يمكن ممارسة الضغط على النظام الفنزويلي دون الحاجة إلى تدخل مباشر.
مجتمع دورال المنقسم: بين الترقب وخيبة الأمل
بين المنفيين في فلوريدا، توجد مجموعة كبيرة مترددة، لا ترغب في الحرب، لكنها في الوقت نفسه لا ترى مخرجاً واضحاً للأزمة. أحد هؤلاء المنفيين، الذي طلب عدم الكشف عن هويته لحماية عائلته في كاراكاس، يعبر عن هذا الشعور بالقول: “إذا سألتني عما إذا كنت أريد حرباً أو غزواً، فسأقول لا، لكن بعد استنفاد جميع السبل، لم تعد هناك خيارات أخرى”.
خيبة الأمل من سياسات ترامب
لطالما كانت الجالية الفنزويلية المنفية في فلوريدا مؤيدة للحزب الجمهوري، وخاصة الرئيس السابق دونالد ترامب، الذي حظي بدعم واسع النطاق في جنوب فلوريدا بسبب خطابه القاسي ضد مادورو، ووعده بـ “ترك جميع الخيارات مطروحة على الطاولة”. لكن قرار ترامب بإلغاء الوضع المؤقت للحماية لأكثر من نصف مليون فنزويلي تسبب في انقسام واضح، ووصفه الكثيرون في دورال بـ “خيبة الأمل” وحتى بـ “الخيانة”.
يرى رجل الأعمال فرانسيسكو بوليو أن هذا القرار “لا معنى له”، خاصة وأن الولايات المتحدة تصنف فنزويلا كدولة تهدد الأمن القومي. وعلى الرغم من هذا السخط، لا يزال الكثيرون يعتقدون أن ترامب قادر على إحداث تغيير حقيقي في فنزويلا، وأن أي جروح تسبب فيها بسياساته ستُنسى إذا نجح في تحقيق تحول سياسي في كراكاس.
حالة ترقب وتوقعات متباينة
يعيش المجتمع الفنزويلي في المنفى حالة ترقب متوترة، يراقب التحركات في منطقة البحر الكاريبي، ويحسب التوقيت، وينتظر نتيجة قد تغير كل شيء. يستمر المنفيون في التعبير عن آرائهم بالهمس، ويتبادلون الرسائل التي يحذفونها لاحقاً خوفاً على أهاليهم في فنزويلا. الجميع يتفقون على شيء واحد: “فليحدث ما سيحدث، لكن فليكن سريعاً”.
الوضع المؤقت للحماية و التدخل العسكري و الانتخابات الفنزويلية هي كلمات مفتاحية مرتبطة بهذا الموضوع، وتعكس القلق والترقب الذي يعيشه المنفيون الفنزويليون في دورال، فلوريدا. مستقبل فنزويلا لا يزال مجهولاً، لكن الأمل في التغيير، وإن كان باهتاً، لا يزال يضيء في قلوب الكثيرين.


