تصاعد خطر حرائق الغابات في المملكة المتحدة: دعوة عاجلة لزيادة الاستثمارات

تشهد المملكة المتحدة ارتفاعاً غير مسبوق في عدد وحجم حرائق الغابات، حيث أظهرت الأرقام تدمير مساحات قياسية من الأراضي هذا العام، مما يضع ضغوطاً هائلة على خدمات الإطفاء ويدق ناقوس الخطر بشأن استعداد البلاد لتداعيات تغير المناخ. لم تشهد البلاد مثل هذا الانتشار المدمر للنيران منذ بدء تسجيل الإحصائيات، مما يستدعي تحركاً سريعاً وفعالاً.

أرقام قياسية وتأثيرات مدمرة

تشير التقديرات إلى أن حرائق الغابات قد دمرت حوالي 47,26 هكتاراً في المملكة المتحدة بحلول نوفمبر 2025، وهو أكبر رقم يتم تسجيله سنوياً منذ عام 2012، ويتجاوز ضعف المساحة التي أحرقتها حرائق الصيف القياسية في عام 2022. هذه الزيادة المقلقة ليست مجرد إحصائية، بل تعكس واقعاً مريراً يواجهه رجال الإطفاء والمجتمعات المحلية.

وقد أدت هذه الحرائق إلى استنفار فرق الإطفاء من جميع أنحاء البلاد، كما حدث في منطقة هولت هيث في مقاطعة دورست، حيث كانت الموارد المحلية “محدودة بشكل صادم”. وفي شمال يوركشاير، تعاون المزارعون وحراس الصيد وملاك الأراضي مع فرق الإطفاء لمكافحة حريق ضخم استمر لأسابيع في منطقة لانغديل مور.

نقص التمويل يفاقم الأزمة

يعزو خبراء تدهور الوضع إلى نقص التمويل المزمن الذي تعاني منه خدمة الإطفاء والإنقاذ في المملكة المتحدة. فقدت الخدمة حوالي 12 ألف إطفائي منذ عام 2010، أي ما يعادل خُمس القوة العاملة. بالإضافة إلى ذلك، انخفض التمويل الحكومي المركزي بنسبة 30%، مما أدى إلى نقص في المعدات، وتراجع أعداد الموظفين في غرف التحكم، وعدم كفاية معدات الحماية الشخصية.

هذا النقص في الموارد يعيق قدرة فرق الإطفاء على الاستجابة الفعالة للحرائق المتزايدة، كما يتضح من حقيقة أن رجال الإطفاء الذين استجابوا لحريق هولت هيث لم يكن لديهم جميعهم معدات حماية شخصية متخصصة، مما عرضهم لخطر الإصابة بضربة شمس وإرهاق وحروق.

الفيضانات كوجه آخر لتغير المناخ

لا تقتصر التحديات التي تواجه خدمات الإطفاء على حرائق الغابات فحسب، بل تمتد لتشمل الفيضانات المتزايدة. تشير التقديرات إلى أن ملايين المنازل في إنجلترا واسكتلندا وويلز ستواجه خطر الفيضانات المدمرة في السنوات القادمة، وقد تضطر بعض المدن إلى التخلي عنها بسبب تفاقم آثار تغير المناخ.

ويؤكد رجال الإطفاء أنهم يكافحون للتعامل مع هذا الواقع الجديد. على سبيل المثال، صرح سام هاردينغ، أحد رجال الإطفاء في منطقة مونماوث، بأن الفيضانات الأخيرة كانت من أسوأ ما شهدوه في السنوات الأخيرة، واستدعت كل موارد الإنقاذ المتاحة. وأضاف أن تخفيضات التمويل الحكومي تمنعهم من الاستجابة بفعالية لحوادث متعددة في وقت واحد، وهو سيناريو أصبح أكثر احتمالاً في ظل تصاعد الأحداث المناخية المتطرفة.

دعوات عاجلة لزيادة الاستثمارات

في ضوء هذه التطورات المقلقة، وجه اتحاد فرق الإطفاء في بريطانيا، بدعم من منظمات مثل “غرينبيس” و”تاكس جستيس يوكيه” و”فريندز أوف ذا إيرث”، رسالة عاجلة إلى الحكومة البريطانية تطالب باستثمار طويل الأجل في خدمة الإطفاء والإنقاذ.

تؤكد الرسالة أن المملكة المتحدة “غير مستعدة بشكل خطر” لمواجهة التهديد المتزايد للحرائق والفيضانات وتأثيرات أزمة المناخ الأوسع. وتدعو وزارة المالية إلى زيادة التمويل الحكومي لضمان توفير عدد كافٍ من رجال الإطفاء والموظفين المتخصصين والموارد اللازمة للتعامل مع هذه المخاطر المتصاعدة.

ظروف اشتعال مثالية

ساهمت عدة عوامل في زيادة خطر حرائق الغابات في المملكة المتحدة هذا العام. فقد شهدت البلاد موجات حرارة متتالية تجاوزت فيها درجات الحرارة 33 درجة مئوية، كما أن الربيع الماضي كان الأكثر جفافاً منذ أكثر من 50 عاماً، مما أدى إلى جفاف النباتات وزيادة قابليتها للاشتعال.

وقد حدد خبراء الأرصاد الجوية ظاهرة “القباب الحرارية” الناتجة عن أنظمة الضغط المرتفع المستمرة، والتي زادت بشكل ملحوظ منذ خمسينيات القرن الماضي. ويربط علماء المناخ هذه الأحداث بالتغيرات في التيار النفاث التي اشتدت بسبب ارتفاع مستويات غازات الدفيئة.

التكنولوجيا وإدارة الأراضي: أدوات إضافية

بالإضافة إلى الاستثمار في خدمات الإطفاء، يمكن للتكنولوجيا المتقدمة أن تلعب دوراً حيوياً في تحسين الاستجابة لـ حرائق الغابات. فأجهزة الاستشعار الأرضية وصور الأقمار الاصطناعية يمكنها اكتشاف الدخان والحرارة في وقت مبكر، بينما يمكن لشبكات جودة الهواء المجتمعية رصد ارتفاعات التلوث المرتبطة بالاحتراق. كما أن نماذج النقاط الساخنة القائمة على الذكاء الاصطناعي تساعد في التنبؤ بالمناطق المعرضة للخطر.

تعتبر ممارسات إدارة الأراضي أيضاً مهمة في الحد من مخاطر الحرائق. على الرغم من أن بعض الإجراءات، مثل الحرق الانتقائي، يمكن أن تقلل من كمية النباتات القابلة للاشتعال، إلا أنها لا تخلو من الجدل، حيث يرى البعض أنها قد تضر بالنظم البيئية وتزيد من تلوث الهواء.

في الختام، تتطلب الزيادة المقلقة في عدد وحجم حرائق الغابات في المملكة المتحدة استجابة شاملة تتضمن زيادة الاستثمارات في خدمات الإطفاء، والاستفادة من التكنولوجيا المتقدمة، وتطبيق ممارسات إدارة الأراضي المستدامة. فالعمل الآن هو أمر بالغ الأهمية لحماية المجتمعات والموارد الطبيعية في البلاد من التهديد المتصاعد لتغير المناخ.

شاركها.
Exit mobile version