تزايد التهديدات والكراهية ضد السياسيات في السويد يثير القلق ويشكل تهديداً للديمقراطية، هذا ما أكدته وكالة المساواة التابعة للحكومة السويدية في تقرير حديث. لم يعد الأمر مجرد مضايقات فردية، بل أصبح مناخاً يخيف النساء ويجعلهن يفرضن رقابة ذاتية على أنفسهن، مما يؤثر بشكل مباشر على المشاركة السياسية و جودة النقاش العام. هذا التقرير يسلط الضوء على مشكلة متنامية تهدد أسس الديمقراطية السويدية، المعروفة بتقاليدها الراسخة في المساواة بين الجنسين.
تصاعد الكراهية والتهديدات: خطر يهدد الديمقراطية السويدية
أصبحت سلامة النساء في السياسة قضية ملحة في السويد، خاصة بعد استقالة آنا كارين هات من منصبها كزعيمة لحزب الوسط في أكتوبر الماضي. لم تكن استقالة هات مفاجئة، فقد جاءت بعد أشهر من التعرض للكراهية والتهديدات المستمرة، وهو ما وصفته شخصياً بأنه يؤثر عليها بعمق أكبر مما كانت تتوقع. وقالت هات في تصريح لها: “أن تشعر باستمرار بالحاجة إلى النظر خلفك، وأنك لا تشعر بالأمان التام، حتى في منزلك، هذا يؤثر فيّ بشكل أعمق بكثير مما كنت أعتقد”.
هذا الحادث لم يكن منعزلاً. ففي عام 2019، شهدت السويد جريمة مروعة تمثلت في قتل منسقة الطب النفسي، إنغ-ماري فيزيلغرين، وإدانة الجاني بتهمة التخطيط لقتل آني لوف، زعيمة حزب الوسط آنذاك. هذه الأحداث المتتالية أثارت نقاشاً واسعاً حول مدى أمان السياسيين، وخاصة النساء، في الساحة العامة.
الضغط النفسي والرقابة الذاتية: تأثير على المشاركة السياسية
لا يقتصر تأثير هذه التهديدات على سلامة السياسيات الجسدية، بل يمتد ليشمل حالتهن النفسية وقدرتهن على أداء مهامهن بفعالية. تؤكد لاين سال، رئيسة وحدة التحليل والمتابعة في الوكالة السويدية للمساواة بين الجنسين، أن هذا المناخ يخيف الكثير من الأشخاص، ويدفع العديد من النساء إلى التفكير ملياً قبل الانخراط في العمل السياسي. وتضيف سال: “بالنسبة لنا نحن الذين نعمل في مجال سياسات المساواة بين الجنسين، فإن الأمور تسير أيضاً في الاتجاه الخطأ في ما يتعلق بأهداف الحكومة والبرلمان للمساواة بين الجنسين”.
ويظهر تأثير هذا الضغط جلياً في ارتفاع معدلات الاستقالة بين الشابات من المناصب السياسية المحلية. هذا الانسحاب، بسبب التهديدات السياسية و الخوف، يؤدي إلى الرقابة الذاتية، حيث تتجنب العديد من السياسيات، خاصة الشابات، الإدلاء بآراء حول قضايا حساسة خوفاً من التعرض للمضايقات أو الاعتداء. هذا يحد من التنوع في النقاش العام ويؤثر سلباً على جودة التشريعات.
قضايا عالقة تزيد من المخاطر
تظهر الأبحاث أن بعض القضايا، مثل سياسة الهجرة، تعتبر “قضايا عالية المخاطر” يدفع فيها الخوف الكثير من السياسيات إلى الصمت. ساندرا هاكانسون، باحثة في جامعة أوبسالا، تشير إلى أن آراء النساء والرجال حول قضايا الهجرة قد تختلف، فالنساء غالباً ما يكن أكثر إيجابية تجاه استقبال اللاجئين، لكنهن يميلن إلى الصمت خوفاً من ردود الفعل العنيفة. هذا الصمت يؤثر على النقاش العام ويمنع ظهور وجهات نظر متنوعة.
المساواة بين الجنسين في خطر: إحصائيات مقلقة
على الرغم من أن السويد تعتبر رائدة عالمياً في مجال المساواة بين الجنسين، إلا أن الإحصائيات المتعلقة بأمن السياسيين تكشف عن صورة مختلفة. أظهر استطلاع حديث أجراه المجلس الوطني السويدي لمنع الجريمة أن 26.3% من النساء المنتخبات تعرضن للتهديدات والمضايقات العام الماضي بسبب مناصبهن، مقارنة بـ23.6% من الرجال. والأكثر إثارة للقلق هو أن 32.7% من النساء أبلغن عن شعورهن بالضعف، مقارنة بـ24% من الرجال.
كما أظهر الاستطلاع أن الأشخاص ذوي الأصول الأجنبية يتعرضون لمستويات أعلى من التهديد والمضايقات، بغض النظر عن جنسهم. نتيجة لذلك، يلجأ العديد من السياسيين إلى الحد من نشاطهم على وسائل التواصل الاجتماعي أو تجنب مناقشة قضايا معينة، مما يؤثر على قدرتهم على التواصل مع الجمهور وممارسة السياسة بشكل فعال.
دور وسائل التواصل الاجتماعي وخطورة المعلومات المتاحة
تساهم وسائل التواصل الاجتماعي بشكل كبير في تفاقم هذه المشكلة، حيث توفر منصة سهلة لنشر الكراهية والتهديدات. بالإضافة إلى ذلك، فإن قوانين حرية المعلومات في السويد تعني أن معظم عناوين السكان وبياناتهم الشخصية متاحة للعامة على الإنترنت، مما يجعل السياسيين والأفراد الآخرين عرضة للاستهداف من قبل الجماعات الإجرامية والمتطرفين. هذا الوضع يزيد من شعور السياسيين بالضعف والخوف.
دعوة إلى التغيير: مسؤولية جماعية لحماية الديمقراطية
تؤكد وزيرة المساواة بين الجنسين في السويد، نينا لارسون، أن خوف النساء من ممارسة السياسة أو إسكاتهن يضر بالديمقراطية والنقاش الحر. وتدعو إلى “تغيير ثقافي واضح” حول قواعد السلوك على الإنترنت، مشيرة إلى أن “جزءاً كبيراً من المشكلة هو أننا قبلنا لفترة طويلة جداً الانتهاكات في البيئات الرقمية”.
تحتاج منصات التواصل الاجتماعي إلى تحمل “مسؤولية أكبر لوقف الكراهية والتهديدات”، ويجب على الحكومة أن تواصل تعزيز الحماية للمسؤولين المنتخبين، وخاصة النساء اللواتي هن أكثر عرضة للخطر. كما أن صمت النساء وعدم مشاركتهن يمثل “عجزاً ديمقراطياً” يجب معالجته بشكل فوري. الحل يكمن في التركيز السياسي الواضح والعمل المشترك لحماية حقوق السياسيات وضمان مشاركتهن الكاملة والفعالة في الحياة السياسية. إن حماية الحياة السياسية من التهديدات و الكراهية ليس مجرد ضرورة أخلاقية، بل هو شرط أساسي لضمان استمرار الديمقراطية السويدية.
فالوضع الحالي يتطلب تحركاً سريعاً و منسقاً لضمان استمرار السويد كنموذج عالمي في المساواة بين الجنسين و تمكين المرأة في السياسة. يجب أن يشعر كل مواطن، بغض النظر عن جنسه أو خلفيته، بالأمان للمشاركة في الحياة العامة و التعبير عن آرائه بحرية.


