أظهر استطلاع حديث لمعهد أبحاث الأمن القومي في جامعة تل أبيب صورة معقدة للمخاوف الأمنية والسياسية التي تواجهها إسرائيل، مع تركيز خاص على آراء الجمهور اليهودي في إسرائيل. يكشف الاستطلاع عن قلق متزايد من التهديدات الخارجية المتعددة، بالإضافة إلى أزمة ثقة داخلية عميقة تتعلّق بالقيادة السياسية والمؤسسات المختلفة. هذا المقال يسلط الضوء على أبرز نتائج الاستطلاع وتحليلها.

أبرز المخاوف الأمنية لدى الجمهور اليهودي في إسرائيل

تتصدّر الضفة الغربية قائمة المناطق التي يرى فيها الجمهور اليهودي في إسرائيل أكبر تهديد أمني، حيث أعرب 77% عن قلقهم هذا. ويأتي هذا القلق في ظل تصاعد التوترات وتزايد العمليات في المنطقة. إيران تحتل المرتبة الثانية بنسبة 74%، مما يعكس المخاوف العميقة من برنامجها النووي ودعمها للجماعات المسلحة في المنطقة.

غزة تظل مصدراً للقلق، حيث أشار 65% من المستطلعين إلى ذلك، بينما أعرب 64% عن قلقهم من لبنان، و37% من سوريا. اليمن حصدت 28% من الأصوات كتهديد محتمل. هذه النسب المرتفعة تعكس شعوراً محيطاً بالتهديد من مختلف الجهات، وتشير إلى أن إسرائيل تواجه تحديات أمنية متعددة الأوجه.

الحرب على لبنان: تأييد محدود مع اختلافات

فيما يتعلق بإمكانية شن إسرائيل حرباً على لبنان، أظهر الاستطلاع انقساماً في الآراء. أيد 46.5% من المشاركين العودة إلى حرب محدودة في الشمال، بسبب الوضع الأمني المتدهور. لكن نسبة أصغر، 12%، اعتقدت أن الوضع يستدعي حرباً شاملة تتضمن اجتياحاً برياً. في المقابل، رأى 28.5% أن الوضع يوفر الأمن للسكان، بينما أبدى 13% عدم معرفتهم. هذا التباين يعكس حذرًا عميقًا بشأن التكلفة المحتملة لحرب واسعة النطاق، حتى مع الاعتراف بالحاجة إلى معالجة التهديد المتزايد.

فقدان الثقة بالقيادة السياسية

يشير الاستطلاع إلى أزمة ثقة متزايدة في قدرة القيادة السياسية الإسرائيلية على التعامل مع التحديات الأمنية. فقد يعتقد 59% من المستطلعين أن القرارات السياسية لا تستند إلى اعتبارات مهنية، بل إلى عوامل أخرى غير واضحة. بالمقابل، رأى 37.5% أنها تستند إلى اعتبارات مهنية. هذا الانعدام للثقة يهدد بتقويض الاستقرار السياسي ويعيق قدرة الحكومة على اتخاذ قرارات فعالة.

تراجع دعم حل الدولتين

أظهر الاستطلاع تراجعاً ملحوظاً في دعم الجمهور اليهودي في إسرائيل لفكرة حل الدولتين للصراع الإسرائيلي الفلسطيني. يعارض 61% من المستطلعين هذه التسوية، بينما يؤيدها 31% “بشروط معينة”. يأتي هذا في ظل استمرار الجمود في عملية السلام وتصاعد العنف والتوترات في الأراضي الفلسطينية. الرأي العام الإسرائيلي بات يميل بشكل متزايد نحو حلول أخرى، أو إلى الحفاظ على الوضع الراهن.

الرضا عن وقف إطلاق النار في غزة منخفض

يعبر غالبية المستطلعين عن عدم رضاهم عن “وقف إطلاق النار” المزعوم في غزة. أيد 58% من المستطلعين وجود “رضا ضئيل أو ضئيل جدًا” عن هذا الوقف، بينما عبر 37% عن “رضا مرتفع أو مرتفع جدًا”. يعكس هذا القلق المستمر بشأن استمرار التهديد من حماس والمنظمات المسلحة الأخرى في القطاع، فضلاً عن عدم الثقة في قدرة الوقف على الصمود.

تقييم الوضع الأمني و الثقة بالمؤسسات

يقيم 31% من المستطلعين الوضع الأمني القومي الإسرائيلي بأنه “جيد”، بينما يراه 23% “سيئًا”. ويتوقع 46% تحسنًا في الوضع الأمني بعد خمس سنوات، لكن 19% يتوقعون تدهوره. على صعيد متصل، تظهر نسب الثقة في المؤسسات الأمنية ارتفاعاً نسبياً. فـ 83% يعربون عن ثقتهم العالية في الجيش الإسرائيلي، و71% بالشاباك، و73% برئيس أركان الجيش، و59% برئيس الشاباك.

في المقابل، تنخفض الثقة بشكل كبير في الشرطة والمحكمة العليا. فقط 34% يعبرون عن ثقتهم بالشرطة، و42% بالمحكمة العليا، بينما يغلب على الآراء عدم الثقة. كما أن الثقة بالحكومة ورئيسها بنيامين نتنياهو محدودة، حيث تصل إلى 30% و 34% على التوالي.

معارضة قانون التجنيد و المواقف العنصرية

يعارض 45% من المستطلعين مشروع القانون الذي يعفي معظم الحريديين من الخدمة العسكرية، بينما يؤيده 43%. يُظهر هذا الانقسام العميق حول قضايا التجنيد والمساواة في الأعباء والمسؤوليات.

الأكثر إثارة للقلق هو أن الاستطلاع كشف عن مواقف عنصرية واسعة الانتشار لدى الجمهور اليهودي في إسرائيل تجاه المواطنين العرب. يعارض 52% مشاركة العرب بشكل نشط في مؤسسات القطاع العام، بينما يؤيد 16% مشاركتهم في الائتلاف والحكومة، و26% مشاركتهم في مؤسسات القطاع العام فقط. هذه المواقف تشير إلى تحديات كبيرة في تعزيز التعايش والمساواة في المجتمع الإسرائيلي.

الخلاصة: تحديات متعددة تواجه إسرائيل

يُظهر هذا الاستطلاع أن الجمهور اليهودي في إسرائيل يواجه وضعاً أمنياً وسياسياً معقداً. فالقلق من التهديدات الخارجية، إلى جانب فقدان الثقة في القيادة السياسية والمواقف العنصرية، يشكل تحدياً كبيراً للاستقرار والازدهار في البلاد. من الضروري معالجة هذه التحديات من خلال تعزيز الحوار، وسيادة القانون، والعمل على بناء مجتمع أكثر تماسكاً وإنصافاً. هذا التحليل يسلط الضوء على أهمية فهم الرأي العام الإسرائيلي لصانعي القرار والباحثين على حد سواء، بهدف إيجاد حلول مستدامة للتحديات التي تواجهها إسرائيل. لمزيد من المعلومات حول الاستطلاعات والدراسات الأمنية في إسرائيل، يمكنكم زيارة موقع معهد أبحاث الأمن القومي.

شاركها.
Exit mobile version