في عالم يزداد فيه الاعتماد على التكنولوجيا، يظهر اتجاه جديد ومثير للقلق في صفوف الشباب في إنجلترا: اللجوء إلى الذكاء الاصطناعي للحصول على الدعم العاطفي والاجتماعي. على الرغم من الرغبة الفطرية في التواصل البشري، يجد الكثيرون في الذكاء الاصطناعي ملاذاً سهلاً ومتاحاً، وهو ما يطرح تساؤلات حول مستقبل العلاقات الاجتماعية وتأثير التكنولوجيا على الصحة النفسية للشباب. هذا التحول الرقمي يثير نقاشاً واسعاً حول كيفية موازنة بين فوائد التكنولوجيا والحاجة الأساسية للتفاعل الإنساني الحقيقي.
انتشار استخدام الذكاء الاصطناعي بين الشباب: أرقام مقلقة
كشف بحث حديث، نشر أمس، أن ما يقرب من 40% من الشباب في إنجلترا يلجأون إلى الذكاء الاصطناعي للحصول على المشورة، أو الدعم، أو حتى الرفقة. هذه النسبة المرتفعة تعكس مدى تأثير التكنولوجيا على حياة الشباب، وتحديداً في تلبية احتياجاتهم الاجتماعية والعاطفية. ويرى خبراء أن هذا الاتجاه قد يكون نتيجة لعدة عوامل، بما في ذلك الضغوط الاجتماعية، وصعوبة التعبير عن المشاعر، وتوفر الأدوات التي تعمل بالذكاء الاصطناعي بشكل دائم.
أسباب اللجوء إلى الذكاء الاصطناعي
تشير نتائج الاستطلاع الذي أجراه معهد “يوغوف” للإحصاءات إلى أن 20% من الشباب يعتبرون الذكاء الاصطناعي أسهل في التعامل من البشر. يعود ذلك إلى عدم وجود أحكام مسبقة، أو الخوف من الرفض، أو الحرج الاجتماعي الذي قد يصاحب التحدث إلى شخص حقيقي. كما كشف الاستطلاع أنَّ واحدًا من كل عشرة شبان لا يجد شخصًا آخر يلجأ إليه للتحدث. هذه النتيجة تؤكد على وجود فجوة في الدعم الاجتماعي لبعض الشباب، وأن الذكاء الاصطناعي يملأ هذا الفراغ، حتى لو كان بشكل مؤقت.
وبالرغم من هذه الأسباب، إلا أن الثقة في الذكاء الاصطناعي لا تزال محدودة. فقد أظهر البحث أن 6% فقط من الأشخاص الذين يتحدثون إلى هذه البرامج يثقون بها أكثر من ثقتهم بشخص حقيقي، مما يسلط الضوء على إدراك الشباب بأن الذكاء الاصطناعي قد يميل إلى تقديم إجابات أو معلومات ترضي المستخدم بدلاً من تقديم النصح الحقيقي.
تزايد القلق بشأن تأثير التكنولوجيا على الشباب
التقرير السنوي الذي تطلبه مؤسسة “أون سايد” الخيرية، والذي بدأ في عام 2022، يهدف إلى فهم كيفية قضاء الشباب لوقت فراغهم. إضافة أسئلة حول الذكاء الاصطناعي هذا العام جاءت استجابةً للتأثير المتزايد لهذه التكنولوجيا على حياة الشباب في المملكة المتحدة. ويعكس هذا الاهتمام القلق المتزايد بشأن الآثار المترتبة على هذا التحول الرقمي، سواء كانت إيجابية أو سلبية.
الوقت الذي يقضيه الشباب على الشاشات
على الرغم من الانتشار الواسع لاستخدام الذكاء الاصطناعي، إلا أن هناك نمطًا آخر مستمرًا يثير الانتباه: قضاء معظم أوقات الفراغ على الشاشات. حيث يميض حوالي 76% من الشباب معظم وقتهم الفاضي أمام الشاشات، وهي نسبة لم تتغير منذ عام 2023. يشمل ذلك استخدام الهواتف الذكية، والأجهزة اللوحية، وأجهزة الكمبيوتر، ومشاهدة التلفزيون، والألعاب الإلكترونية. هذا يشير إلى أن التكنولوجيا بشكل عام، وليس الذكاء الاصطناعي فقط، تلعب دورًا كبيرًا في حياة الشباب.
موازنة بين التكنولوجيا والتواصل الإنساني
إنَّ لجوء الشباب إلى الذكاء الاصطناعي للحصول على الدعم العاطفي والاجتماعي ليس بالضرورة أمرًا سلبيًا. فقد يوفر الذكاء الاصطناعي مساحة آمنة للتعبير عن المشاعر، أو الحصول على معلومات، أو ببساطة التغلب على الشعور بالوحدة. ومع ذلك، من الضروري التأكيد على أهمية التواصل الإنساني الحقيقي، وتنمية العلاقات الاجتماعية القوية.
بالإضافة إلى ذلك، يجب على الآباء والمعلمين والمجتمع ككل العمل على توفير الدعم العاطفي والاجتماعي للشباب، وتشجيعهم على المشاركة في الأنشطة الاجتماعية، وتنمية مهاراتهم في التواصل مع الآخرين. كما يجب عليهم توعية الشباب بمخاطر الاعتماد المفرط على التكنولوجيا، وأهمية الحفاظ على التوازن بين العالم الرقمي والعالم الحقيقي.
مستقبل العلاقات الاجتماعية في العصر الرقمي
يُظهر هذا البحث اتجاهًا واضحًا نحو تبني الشباب للتقنيات الجديدة، بما في ذلك الذكاء الاصطناعي. ولكن السؤال الذي يطرح نفسه الآن هو: كيف سيؤثر هذا الاتجاه على مستقبل العلاقات الاجتماعية؟ هل سنشهد تراجعًا في أهمية العلاقات الإنسانية، وزيادة في الاعتماد على التكنولوجيا لتلبية احتياجاتنا العاطفية والاجتماعية؟ أم أننا سنجد طرقًا مبتكرة لموازنة بين فوائد التكنولوجيا والحاجة الأساسية للتواصل الإنساني؟
في الختام، من المهم أن نراقب هذا الاتجاه عن كثب، وأن نعمل على فهم تأثيره على حياة الشباب، والبحث عن طرق لمساعدة الشباب على الاستفادة من التكنولوجيا بشكل مسؤول، والحفاظ على علاقاتهم الإنسانية القوية. دعونا نشجع الحوار المفتوح حول هذه القضايا، ونعمل معًا لإيجاد حلول تضمن مستقبلًا صحيًا وسعيدًا لشبابنا.


