في خطوة مفصلية للقطاع المالي السوري، أعلن حاكم مصرف سوريَة المركزي، الدكتور عبد القادر الحصرية، استعداد المصرف لإطلاق إطار تنظيمي ورقابي جديد يهدف إلى إعادة تفعيل وتطوير علاقات المراسلة المصرفية مع المصارف الأجنبية، وذلك في ضوء التطورات الإيجابية التي تحدّث عنها والمتعلقة برفع العقوبات الدولية وإعادة الاتصال عبر نظام سويفت. هذا الإعلان يمثل بارقة أمل حقيقية للاقتصاد السوري الذي طالما عانى من صعوبات جمة في إجراء المعاملات المالية الخارجية، ويعزز فرص المراسلة المصرفية كأداة رئيسية للتعافي. ويأتي هذا التوجه في مرحلة حرجة تتطلب تضافر الجهود لإعادة دمج سوريا في النظام المالي العالمي.
أهمية إعادة تفعيل المراسلة المصرفية لسوريا
تعتبر المراسلة المصرفية شريان الحياة للتبادل التجاري والاستثماري بين الدول. فمن خلالها، تستطيع الشركات والأفراد إجراء المدفوعات وتحويل الأموال بشكل آمن وفعال عبر الحدود. غياب هذه العلاقات، كما هو الحال بالنسبة لسوريا في السنوات الأخيرة، يعيق بشكل كبير حركة رؤوس الأموال، ويصعب استيراد السلع والخدمات الضرورية، ويؤثر سلبًا على النمو الاقتصادي.
تأثير العقوبات على النظام المالي السوري
لقد أدت العقوبات الدولية المفروضة على سوريا إلى عزلة شبه كاملة للنظام المالي السوري. فمعظم المصارف الأجنبية كانت تتردد في التعامل مع المصارف السورية خوفًا من التعرض لعقوبات مماثلة. هذا التردد أدى إلى تقليص كبير في عدد المصارف المراسلة، وارتفاع تكاليف التحويلات المالية، وتأخير كبير في إنجاز المعاملات. بالتالي، تأثرت بشدة الشركات المستوردة والمصدرة، وكذلك الأفراد الذين يعتمدون على التحويلات المالية من الخارج.
الإطار التنظيمي الجديد للمراسلة المصرفية: تفاصيل وخطة العمل
يهدف الإطار التنظيمي الجديد الذي أعلن عنه مصرف سورية المركزي إلى توفير بيئة آمنة وشفافة لعمليات المراسلة المصرفية. ويشمل هذا الإطار مجموعة من الإجراءات والتعليمات التي تهدف إلى مكافحة غسل الأموال وتمويل الإرهاب، وتعزيز الرقابة على المصارف، وضمان الامتثال للمعايير الدولية.
معايير الامتثال ومكافحة غسل الأموال
أكد الدكتور الحصرية أن الإطار الجديد سيتضمن معايير صارمة للامتثال لمتطلبات مكافحة غسل الأموال وتمويل الإرهاب، بما يتماشى مع توصيات مجموعة العمل المالي (FATF). هذا يشمل إجراءات العناية الواجبة المعززة تجاه العملاء، والإبلاغ عن أي معاملات مشبوهة، والتعاون مع الجهات الرقابية المحلية والدولية. الهدف من هذه الإجراءات هو طمأنة المصارف الأجنبية بأن التعامل مع المصارف السورية لن يعرضها لأي مخاطر قانونية أو مالية.
إعادة الاتصال بنظام سويفت
تعتبر إعادة الاتصال بنظام سويفت (SWIFT) خطوة أساسية في عملية إعادة تفعيل المراسلة المصرفية. فقد تم تعليق وصول المصارف السورية إلى هذا النظام الحيوي في عام 2011، مما أدى إلى صعوبة بالغة في إجراء التحويلات المالية الدولية. مع التطورات الأخيرة المتعلقة برفع بعض العقوبات، هناك آمال متزايدة في إعادة الاتصال بسويفت في المستقبل القريب.
التحديات التي تواجه عملية إعادة تفعيل المراسلة المصرفية
على الرغم من الإيجابية التي يحملها الإعلان عن الإطار التنظيمي الجديد، إلا أن هناك العديد من التحديات التي تواجه عملية إعادة تفعيل المراسلة المصرفية مع المصارف الأجنبية.
استمرار بعض العقوبات الدولية
لا يزال هناك العديد من العقوبات الدولية المفروضة على سوريا، مما قد يثني بعض المصارف الأجنبية عن التعامل مع المصارف السورية. على الرغم من بعض التخفيفات الأخيرة، إلا أن المخاطر القانونية والمالية لا تزال قائمة.
ضعف الثقة بالنظام المالي السوري
بعد سنوات من الأزمة والحرب، تراجع مستوى الثقة بالنظام المالي السوري بشكل كبير. يتطلب استعادة هذه الثقة بذل جهود كبيرة في مجال الشفافية والمساءلة والحوكمة.
الحاجة إلى تحديث البنية التحتية المصرفية
تحتاج البنية التحتية المصرفية السورية إلى تحديث وتطوير لتلبية المعايير الدولية. يشمل ذلك تحديث أنظمة الدفع والتحويلات، وتعزيز الأمن السيبراني، وتدريب الكوادر المصرفية. القطاع المصرفي السوري بحاجة ماسة للاستثمار في التكنولوجيا لضمان الكفاءة والموثوقية.
الآفاق المستقبلية والفرص المتاحة
على الرغم من التحديات، إلا أن هناك آفاقًا مستقبلية واعدة لعملية إعادة تفعيل المراسلة المصرفية في سوريا. مع استمرار التطورات الإيجابية على الصعيد الدولي، وزيادة الاستقرار السياسي والاقتصادي، يمكن توقع عودة تدريجية للمصارف الأجنبية إلى التعامل مع المصارف السورية.
دور القطاع الخاص في تعزيز المراسلة المصرفية
يمكن للقطاع الخاص أن يلعب دورًا هامًا في تعزيز عملية المراسلة المصرفية. من خلال بناء علاقات قوية مع المصارف الأجنبية، وتقديم ضمانات كافية، والالتزام بمعايير الامتثال، يمكن للشركات السورية أن تساهم في استعادة الثقة بالنظام المالي السوري. الاستثمار الأجنبي المباشر، المدعوم بعلاقات مراسلة قوية، سيكون له تأثير كبير على الاقتصاد.
أهمية التعاون الإقليمي والدولي
يتطلب نجاح عملية إعادة تفعيل المراسلة المصرفية تعاونًا إقليميًا ودوليًا. من خلال الحوار والتفاوض مع الدول والمنظمات الدولية، يمكن التوصل إلى حلول عملية تضمن عودة سوريا إلى النظام المالي العالمي.
في الختام، يمثل الإطار التنظيمي الجديد خطوة مهمة نحو إعادة تفعيل المراسلة المصرفية في سوريا. ومع ذلك، يتطلب تحقيق هذا الهدف بذل جهود متواصلة في مجال مكافحة غسل الأموال وتمويل الإرهاب، وتعزيز الرقابة على المصارف، واستعادة الثقة بالنظام المالي السوري. ندعو جميع الأطراف المعنية إلى العمل معًا من أجل تحقيق هذا الهدف، الذي يصب في مصلحة الاقتصاد السوري وشعبه. يمكنكم متابعة آخر التطورات المتعلقة بالقطاع المالي السوري على موقعنا الإلكتروني.


