مع التطوّر السريع لأدوات تحليل البيانات والمنصّات الرقمية، تجاوزت التكنولوجيا دورها التقليدي في دعم الابتكار أو تطوير قطاع الأعمال، لتصبح عنصرًا أساسيًا في معالجة العديد من الملفات الإنسانية المعقّدة. وفي سوريَة، يبرز ملف المفقودين والمختفين قسرًا في عهد النظام السابق، بوصفه أحد أكثر الملفات التي تتطلب تدخلًا تقنيًا متقدّمًا، نظرًا إلى ضخامة عدد الحالات، وصعوبة الوصول إلى المعلومات. هذا المقال يستكشف كيف يمكن لـ تكنولوجيا تحديد هوية المفقودين أن تُحدث فرقًا حقيقيًا في هذه القضية الإنسانية المؤلمة، وكيف يمكن استخدامها لتقديم إجابات للعائلات التي تنتظر بفارغ الصبر.
أهمية تكنولوجيا تحديد هوية المفقودين في سوريا
إنّ حجم الكارثة الإنسانية في سوريا، وتحديدًا قضية المفقودين والمختفين قسرًا، يتجاوز القدرة على التعامل معها بالطرق التقليدية. الاعتماد على الشهادات الشفوية، والسجلات الورقية المتناثرة، والذاكرة البشرية، كلها طرق عرضة للخطأ والتحيز، وتفتقر إلى الدقة اللازمة. هنا تبرز أهمية تكنولوجيا تحديد هوية المفقودين كأداة قوية وفعالة.
تحديات تحديد هوية المفقودين
قبل الخوض في الحلول التقنية، من المهم فهم التحديات التي تواجه عملية تحديد هوية المفقودين في سوريا:
- نقص السجلات: الكثير من السجلات الرسمية مفقودة أو مدمرة بسبب الحرب والصراع.
- صعوبة الوصول إلى المعلومات: القيود المفروضة على الوصول إلى السجون ومراكز الاحتجاز تجعل جمع المعلومات أمرًا بالغ الصعوبة.
- تدهور الجثث: في كثير من الحالات، تكون الجثث متحللة أو متضررة، مما يجعل التعرف عليها صعبًا.
- العدد الهائل من الحالات: الآلاف من الأشخاص مفقودون، مما يجعل العملية شاقة وتستغرق وقتًا طويلاً.
كيف تعمل تكنولوجيا تحديد هوية المفقودين؟
تكنولوجيا تحديد هوية المفقودين ليست مجرد أداة واحدة، بل هي مجموعة من التقنيات المتكاملة التي تعمل معًا لتقديم حلول فعالة. تشمل هذه التقنيات:
- تحليل الحمض النووي (DNA): تعتبر هذه التقنية الأكثر دقة في تحديد الهوية، حيث يتم مقارنة الحمض النووي للضحايا مع الحمض النووي لأفراد عائلاتهم.
- التعرف على الوجه: باستخدام الذكاء الاصطناعي، يمكن للبرامج التعرف على الوجوه في الصور ومقاطع الفيديو، ومقارنتها بقواعد بيانات تحتوي على صور المفقودين.
- تحليل الصور الطبية: يمكن استخدام الأشعة السينية والتصوير المقطعي المحوسب (CT) لتحليل العظام وتحديد الهوية بناءً على التشوهات أو العلامات المميزة.
- منصات البيانات الرقمية: تُستخدم لتجميع وتخزين وتحليل البيانات المتعلقة بالمفقودين، بما في ذلك المعلومات الشخصية، والشهادات، والصور، وتقارير طبية. هذه المنصات تسهل التعاون بين مختلف الجهات المعنية.
دور المنظمات الحقوقية والتقنية في تطبيق هذه التكنولوجيا
التعاون بين المنظمات الحقوقية والتقنية أمر بالغ الأهمية لنجاح جهود تكنولوجيا تحديد هوية المفقودين في سوريا. المنظمات الحقوقية لديها الخبرة في جمع الشهادات وتوثيق الانتهاكات، بينما المنظمات التقنية لديها الخبرة في تطوير وتطبيق التقنيات اللازمة.
أمثلة على مبادرات ناجحة
هناك العديد من المبادرات التي تعمل على تطبيق تكنولوجيا تحديد هوية المفقودين في سوريا، مثل:
- مشروع كتّاب: منظمة تعمل على توثيق حالات الاختفاء القسري وجمع الأدلة اللازمة لمحاسبة المسؤولين.
- المنظمة الدولية للعدالة الانتقالية (ICTJ): تعمل على دعم جهود تحديد هوية المفقودين وتقديم المساعدة القانونية للعائلات.
- مبادرات محلية: هناك العديد من المبادرات المحلية التي تعمل على جمع المعلومات وتوثيق الحالات على مستوى المجتمعات المحلية.
التحديات المستقبلية والحلول المقترحة
على الرغم من التقدم المحرز، لا تزال هناك العديد من التحديات التي تواجه جهود تكنولوجيا تحديد هوية المفقودين في سوريا. من بين هذه التحديات:
- الحصول على عينات الحمض النووي: قد يكون من الصعب الحصول على عينات الحمض النووي من الضحايا أو أفراد عائلاتهم.
- ضمان سلامة البيانات: يجب حماية البيانات الشخصية للمفقودين وعائلاتهم من الوصول غير المصرح به.
- التعاون الدولي: يتطلب تحديد هوية المفقودين تعاونًا دوليًا لتبادل المعلومات وتنسيق الجهود.
للتغلب على هذه التحديات، يجب:
- زيادة الاستثمار في التقنيات: يجب تخصيص المزيد من الموارد لتطوير وتطبيق التقنيات اللازمة.
- تعزيز التعاون بين الجهات المعنية: يجب تعزيز التعاون بين المنظمات الحقوقية، والمنظمات التقنية، والحكومات، والمنظمات الدولية.
- ضمان الشفافية والمساءلة: يجب ضمان الشفافية والمساءلة في جميع مراحل العملية. تحليل البيانات يجب أن يكون دقيقًا وموثوقًا.
الخلاصة
إنّ تكنولوجيا تحديد هوية المفقودين تمثل أملًا حقيقيًا للعائلات السورية التي تنتظر بفارغ الصبر لمعرفة مصير أحبائهم. من خلال الاستثمار في هذه التقنيات وتعزيز التعاون بين الجهات المعنية، يمكننا تقديم إجابات للعائلات، وتحقيق العدالة للضحايا، والمساهمة في بناء مستقبل أفضل لسوريا. ندعو الجميع إلى دعم هذه الجهود، والمشاركة في إيجاد حلول لهذه القضية الإنسانية المؤلمة. يمكنكم المساهمة من خلال التبرع للمنظمات العاملة في هذا المجال، أو نشر الوعي حول هذه القضية، أو التطوع بوقتكم وخبراتكم. العدالة للجميع هو هدف يستحق العمل من أجله.


