أظهرت دراسة علمية حديثة أن المحيطات في المناطق الساحلية تشهد ارتفاعاً ملحوظاً في معدلات تحمض المحيطات، بوتيرة أسرع بكثير مما كان متوقعاً، مما يهدد بشكل خطير اقتصادات الدول الساحلية حول العالم. هذه الظاهرة، التي تنبع بشكل رئيسي من زيادة انبعاثات ثاني أكسيد الكربون في الغلاف الجوي، تتفاقم بسبب عوامل طبيعية معقدة، خاصة في مناطق معينة تُعرف بـ “أنظمة الرفع المحيطي”.

ما هو تحمض المحيطات وأسبابه؟

تحمض المحيطات هو عملية انخفاض درجة حموضة (الأس الهيدروجيني) مياه البحر. يحدث ذلك بشكل أساسي عندما يمتص المحيط كميات كبيرة من ثاني أكسيد الكربون (CO2) من الغلاف الجوي. مع زيادة تركيز CO2 الناتج عن الأنشطة البشرية مثل حرق الوقود الأحفوري وإزالة الغابات، يزداد مقدار الغاز الذي يمتصه المحيط. هذا الامتصاص يخلق تفاعلاً كيميائياً يؤدي إلى زيادة أيونات الهيدروجين (H+) في الماء، وبالتالي انخفاض الأس الهيدروجيني وزيادة الحموضة.

أنظمة الرفع المحيطي: تفاقم أزمة التحمض

أكدت الدراسة، التي أجراها باحثون من جامعة سانت أندروز في اسكتلندا، أن مناطق “الرفع المحيطي” تزيد بشكل كبير من حدة هذه المشكلة. هذه المناطق تتميز بتصاعد المياه العميقة الغنية بالمغذيات نحو السطح. هذه المياه العميقة تكون بالفعل أكثر حموضة بسبب العمليات البيولوجية والكيميائية التي تحدث في الأعماق، حيث تقوم الكائنات الدقيقة بتحليل المواد العضوية، مما يطلق ثاني أكسيد الكربون.

كيف تزيد المياه العميقة من حموضة السطح؟

عندما ترتفع هذه المياه الحامضية إلى السطح، فإنها تتفاعل مع ثاني أكسيد الكربون الموجود في الغلاف الجوي، مما يؤدي إلى تفاقم الحموضة في المناطق الساحلية. هذا يعني أن تأثير الانبعاثات البشرية يتضاعف في هذه المناطق، مما يجعلها أكثر عرضة للخطر بشكل خاص. وتشمل هذه الأنظمة تيار كاليفورنيا، وتيار همبولت، وتيار بنجيلا، وتيار الكناري.

نتائج الدراسة وتأثيرها على التنوع البيولوجي

استخدم الباحثون عينات تاريخية من المرجان، وتحليل نظائر البورون في هياكلها، لتتبع التغيرات في حموضة المياه على مدى القرن العشرين. ثم قاموا بتطوير نموذج إقليمي للتنبؤ بتطور الحموضة في القرن الحادي والعشرين، وخلصوا إلى أن معدلات التحمض في مناطق الرفع المحيطي تتجاوز بكثير ما يمكن تفسيره بزيادة ثاني أكسيد الكربون في الغلاف الجوي وحدها. هذا يشير إلى دور حيوي للعوامل الطبيعية في تسريع هذه العملية.

الحياة البحرية هي الأكثر تضرراً من هذه الظاهرة. فالكائنات الحية التي تعتمد على كربونات الكالسيوم لبناء هياكلها، مثل المرجان والمحار والعوالق، تواجه صعوبة متزايدة في النمو والبقاء في المياه الأكثر حمضية. يمكن أن يؤدي ذلك إلى تدهور الشعاب المرجانية، وفقدان الموائل الهامة، واضطرابات في السلسلة الغذائية البحرية بأكملها.

التهديد للاقتصاد الساحلي والأمن الغذائي

لا تقتصر آثار تغير المناخ على البيئة فحسب، بل تمتد أيضاً إلى الاقتصاد. تشير الدراسة إلى أن مصايد الأسماك والسياحة البحرية في المناطق الساحلية المعرضة لخطر التحمض قد تواجه خسائر اقتصادية كبيرة. تعتبر هذه المناطق من أكثر النظم البيئية البحرية إنتاجية في العالم، وتوفر مصدراً رئيسياً للغذاء والدخل لملايين الأشخاص.

تؤكد الباحثة هانا يوريكوفا على أن أي اضطراب في مستويات الحموضة يمكن أن يؤدي إلى تغيرات في توزيع الأسماك، مما يهدد الأمن الغذائي للدول الساحلية. وذلك لأن أنواع الأسماك الهامة مثل السردين والسلمون تعتمد على استقرار الظروف الكيميائية للمياه للبقاء والنمو.

أهمية البحث والدراسات المستقبلية

إن فهم كيفية استجابة أنظمة الرفع المحيطي لارتفاع مستويات ثاني أكسيد الكربون أمر بالغ الأهمية لحماية البيئة والاقتصاد الساحلي. تشكل طبيعة هذه المناطق المعقدة تحدياً علمياً كبيراً، حيث تتداخل التأثيرات البشرية مع العوامل الطبيعية. لذلك، هناك حاجة ماسة إلى إجراء المزيد من الدراسات لفهم هذه التفاعلات بشكل أفضل والتنبؤ بالتغيرات المستقبلية المتوقعة.

إن نتائج هذا البحث تم تقديمها ومناقشتها خلال فعاليات مؤتمر المناخ COP30 المنعقد في البرازيل، مما يؤكد على الأهمية العالمية لهذه القضية. يتطلب التصدي لـتحمض المحيطات جهوداً دولية متضافرة لخفض انبعاثات ثاني أكسيد الكربون وحماية النظم البيئية البحرية الحيوية.

شاركها.
Exit mobile version