كشفت دراسة حديثة عن اكتشاف مهم يتعلق بـالهذيان، حيث حددت عاملاً وراثياً رئيسياً مرتبطاً بزيادة خطر الإصابة به. اعتمدت الدراسة على تحليل الحمض النووي لأكثر من مليون شخص حول العالم، وأظهرت نتائج واعدة يمكن أن تفتح الباب أمام تطوير علاجات جديدة وفعالة لهذه الحالة الطبية التي تؤثر على كبار السن بشكل خاص. ورغم شيوع الهذيان وتأثيره الكبير على الصحة، إلا أنه لا يوجد له علاج محدد حتى الآن، مما يجعل هذا الاكتشاف خطوة مهمة نحو تحسين الرعاية الصحية للمرضى.
جين APOE ودوره في زيادة خطر الهذيان
أظهرت نتائج الدراسة أن جين APOE، والذي يُعرف بالفعل بدوره الهام في مرض ألزهايمر، يلعب أيضاً دوراً في زيادة احتمالية تطور الهذيان. الهذيان هو حالة طبية شائعة تتميز بحالة مفاجئة من الارتباك العقلي، ويمكن أن يكون له عواقب وخيمة على المرضى، بما في ذلك زيادة خطر الوفاة، وطول مدة الإقامة في المستشفى، وزيادة خطر الإصابة بالخرف في المستقبل.
الأمر اللافت في هذه الدراسة هو أن تأثير جين APOE على الهذيان لا يمكن تفسيره فقط من خلال ارتباطه بمرض الخرف. وهذا يشير إلى أن الجين له دور مباشر في الإصابة بالهذيان، بغض النظر عن وجود الخرف أم لا. هذا الاكتشاف يفتح الباب أمام تطوير علاجات موجهة خصيصاً للأشخاص الذين يحملون هذا الجين، وكذلك تطوير طرق جديدة لمنع انتقال الهذيان إلى الخرف في المستقبل.
تحليل وراثي واسع النطاق يكشف عن عوامل جديدة
قام الباحثون بإجراء أكبر تحليل وراثي وأكثره تنوعاً للهذيان حتى الآن، حيث اعتمدوا على بيانات من بريطانيا والولايات المتحدة وفنلندا. وقد أكدت النتائج أن تأثير جين APOE على خطر الهذيان ظل قوياً حتى بعد تعديل البيانات لأخذ وجود الخرف في الاعتبار. وهذا يوفر دليلاً قوياً على أن APOE يساهم في قابلية الإصابة بالهذيان لدى الأشخاص الذين لا يعانون من الخرف.
بالإضافة إلى ذلك، فحصت الدراسة عينات دم من 32 ألف شخص ممن أصيبوا بالهذيان، وتم جمع هذه العينات قبل 16 سنة تقريباً من التشخيص. وقد تمكن الباحثون من تحديد عدة بروتينات في الدم يمكنها التنبؤ بخطر الهذيان قبل سنوات، بما في ذلك علامات إصابة الدماغ والالتهاب. بعض هذه البروتينات لم يكن مرتبطاً بالهذيان من قبل، مما يفتح مساراً جديداً للبحث والتطبيق السريري.
بروتين PON3 كهدف علاجي محتمل
توصل الباحثون إلى أن هناك بروتيناً محدداً، يعرف باسم PON3، مرتبطاً بحماية الجسم من الهذيان. ويعتقد أن هذا البروتين يشارك في معالجة بعض أدوية خفض الكوليسترول المعروفة بالستاتينات، مما يشير إلى إمكانية إعادة استخدام هذه الأدوية الحالية للمساعدة في تقليل خطر الهذيان. ومع ذلك، شدد الخبراء على ضرورة إجراء مزيد من الدراسات لتأكيد هذه النتائج وتحديد الجرعة المناسبة وطريقة الاستخدام.
الرابط بين الهذيان والخرف: فهم أعمق
أكد الباحثون أن التداخل بين جينات الهذيان وألزهايمر ربما يساعد في تفسير سبب حدوث الهذيان غالباً قبل أو مع تسريع تدهور الوظائف الإدراكية. وهذا يشير إلى أن هناك آليات بيولوجية مشتركة بين الحالتين، وأن فهم هذه الآليات يمكن أن يساعد في تطوير استراتيجيات علاجية وقائية متكاملة.
كما أن هذه النتائج تسلط الضوء على الأسس البيولوجية لـالهذيان، وتشير إلى أن ضعف الدماغ، والالتهابات الجهازية والعصبية ربما تلعب جميعها أدواراً مهمة في تطور هذه الحالة. وهذا يفتح آفاقاً جديدة للتحقيق ليس فقط في الهذيان نفسه، ولكن في الرابط غير المفهوم جيداً والمهم جداً بين الهذيان وخطر الإصابة بالخرف في المستقبل.
التطبيق العملي والخطوات المستقبلية
تساعد نتائج الدراسة في تفسير التباين بين المرضى، حيث أن بعض الأشخاص ربما يصابون بالهذيان بسرعة بعد تدخل طبي معين، بينما لا يظهر لدى آخرين. ويعتقد أن الجينات والبروتينات المرتبطة بالالتهاب تلعب دوراً مهماً في هذا التباين.
بالإضافة إلى ذلك، يمكن أن تساعد هذه النتائج في تقليل معدلات الوفاة الطويلة الأجل، وتحسين نتائج المرضى بعد الإقامة في المستشفى. فالهذيان مرتبط بزيادة خطر الموت وفقدان الوظائف الإدراكية على المدى الطويل، والتقدم في هذا المجال قد يؤدي إلى وضع برامج متابعة أفضل للأشخاص المعرضين للخطر.
الخطوة التالية، وفقاً للباحثين، هي فهم كيفية تأثير تعديلات الحمض النووي وتغيرات التعبير الجيني في خلايا الدماغ على تطور الهذيان. هذا الفهم الأعمق سيساعد في تصميم علاجات أكثر فعالية واستراتيجيات وقائية موجهة للمرضى الأكثر عرضة.
في الختام، تمثل هذه الدراسة إنجازاً علمياً مهماً في مجال علوم الأعصاب والوراثة، وتوفر نموذجاً يمكن أن يستخدم لتطوير أبحاث مستقبلية تهدف إلى تحسين التشخيص المبكر والعلاج الفعال لـالهذيان، وتحقيق نتائج أفضل للمرضى حول العالم. إن فهم العوامل الوراثية والبيولوجية المؤثرة على هذه الحالة يمكن أن يساهم في الحد من معدلاتها، وتقليل الحاجة لإقامات طويلة في المستشفيات، وتحسين جودة حياة المرضى.


