في 18 ديسمبر من كل عام، يتجدد الاحتفال باليوم العالمي للغة العربية، وهو يوم يحمل في طياته اعترافاً عالمياً بأهمية هذه اللغة العريقة ودورها الحضاري. هذا اليوم، الذي يتزامن مع ذكرى اعتماد اللغة العربية كلغة رسمية في الأمم المتحدة عام 1973، ليس مجرد مناسبة لتأكيد الهوية، بل هو حافز لتعزيز استخدامها في مختلف المجالات، ومواجهة التحديات التي تواجهها في عصر العولمة. وتبرز في هذا السياق جهود دولة الإمارات العربية المتحدة المتميزة في الحفاظ على اللغة العربية وتعزيز مكانتها، ودعم المحتوى العربي، خاصةً في ظل التحديات التي تواجه القراءة والمعرفة في العالم الرقمي.

الإمارات العربية المتحدة: ريادة في دعم اللغة العربية

تولي دولة الإمارات اهتماماً بالغاً بالحفاظ على اللغة العربية وتنميتها، إيماناً منها بأهميتها كركيزة أساسية للهوية الوطنية والثقافة العربية. لم تقتصر هذه الجهود على المستوى المحلي، بل امتدت لتشمل مبادرات عالمية تهدف إلى نشر اللغة العربية وتشجيع القراءة والكتابة بها. هذه المبادرات ليست مجرد فعاليات موسمية، بل هي استثمارات استراتيجية في مستقبل اللغة والثقافة العربية.

تحدي القراءة العربي: إشعال فتيل القراءة لدى الأجيال الشابة

يُعد “تحدي القراءة العربي” من أبرز المبادرات التي أطلقتها دولة الإمارات لدعم اللغة العربية وتشجيع القراءة. هذا التحدي، الذي أطلقه صاحب السمو الشيخ محمد بن راشد آل مكتوم، نائب رئيس الدولة رئيس مجلس الوزراء حاكم دبي، رعاه الله، استطاع بحق أن يُحدث نقلة نوعية في المشهد القرائي العربي.

فقد استقطبت الدورة التاسعة من التحدي أكثر من 32 مليون طالب وطالبة من 50 دولة، تمثلوا 132 ألفاً و112 مدرسة، وتحت إشراف أكثر من 161 ألف مشرف ومشرفة. الأرقام تتحدث عن نجاح باهر، حيث شهد التحدي نمواً هائلاً في المشاركة، من 3.6 مليون طالب في الدورة الأولى إلى أكثر من 32 مليوناً في الدورة التاسعة، أي بزيادة تتجاوز 795%. هذا التحدي لا يقتصر على مجرد قراءة الكتب، بل يهدف إلى تنمية مهارات التفكير النقدي والتحليل لدى الطلاب، وتعزيز قدراتهم اللغوية.

جائزة محمد بن راشد للغة العربية: تكريم الإبداع اللغوي

تُعد “جائزة محمد بن راشد للغة العربية” أيضاً تعبيراً عن التزام دولة الإمارات بالحفاظ على اللغة العربية وتطويرها. تُمنح الجائزة في مختلف الفئات، وتشجع على الإبداع والابتكار في استخدام اللغة العربية في مجالات التعليم والثقافة والإعلام والتكنولوجيا. وقد خصصت الجائزة مبلغ 2.8 مليون درهم لتوزيعها على الفائزين في مختلف الفئات. حتى الآن، استقطبت الجائزة أكثر من 17 ألفاً و200 مشاركة و90 فائزاً من مختلف أنحاء العالم، كما كرمت العديد من الشخصيات العالمية المتميزة في مجال اللغة العربية.

المعجم التاريخي للغة العربية: توثيق شامل لغتنا العريقة

يمثل “المعجم التاريخي للغة العربية” إنجازاً تاريخياً بكل المقاييس، وهو ثمرة جهود كبيرة بذلتها دولة الإمارات، بقيادة صاحب السمو الشيخ الدكتور سلطان بن محمد القاسمي، عضو المجلس الأعلى حاكم الشارقة الرئيس الأعلى لمجمع اللغة العربية بالشارقة. هذا المعجم الضخم، الذي يضم 127 مجلداً، يمثل توثيقاً شاملاً للغة العربية عبر العصور، حيث يحتوي على أكثر من 12 ألفاً و141 جذراً و348 ألفاً و406 شواهد من القرآن الكريم والسنة النبوية والشعر والنثر، بإجمالي يقدر بنحو 14 مليون كلمة. وقد شارك في إعداد هذا المعجم فريق عمل ضخم يضم 780 باحثاً ومحرراً ومدققاً من 20 مؤسسة عربية.

وتقديرًا لهذا الإنجاز الفريد، حصل المعجم التاريخي للغة العربية على شهادة من موسوعة غينيس للأرقام القياسية كأكبر وأضخم مشروع لغوي تاريخي على مستوى العالم.

مبادرات إضافية لتعزيز مكانة اللغة العربية

بالإضافة إلى المبادرات المذكورة أعلاه، أطلقت دولة الإمارات العديد من المبادرات الأخرى التي تهدف إلى تعزيز مكانة اللغة العربية، مثل:

  • قمة دبي للمكتبات: شهدت الدورة الثانية من القمة ارتفاعاً كبيراً في أعداد المسجلين والمشاركين، مما يعكس الاهتمام المتزايد بصناعة النشر والترويج للقراءة باللغة العربية.
  • مقياس الضاد (أرابيك سكال): تهدف هذه المبادرة إلى تحسين إجادة القراءة باللغة العربية لدى الطلاب الناطقين بها، من خلال بناء كنز لغوي ضخم يضم ملايين التراكيب والكلمات.
  • مهرجان أيام العربية: يُعد هذا المهرجان احتفالاً سنوياً باللغة العربية، ويجسد رؤية أبوظبي لتعزيز اللغة العربية كمصدر للثقافة والإبداع والتقدم.
  • حملة مجتمع المعرفة: تهدف هذه الحملة إلى دعم القراءة المستدامة وتعزيز ثقافة المعرفة في المجتمع الإماراتي.

نحو مستقبل مشرق للغة العربية

إن جهود دولة الإمارات في دعم اللغة العربية وتعزيز مكانتها ليست مجرد مبادرات فردية، بل هي جزء من رؤية شاملة تهدف إلى الحفاظ على الهوية الثقافية العربية، وتشجيع الإبداع والابتكار باللغة العربية، ومواجهة التحديات التي تواجهها في عصر العولمة. من خلال هذه المبادرات، تسعى دولة الإمارات إلى جعل اللغة العربية لغة حية ومتجددة، قادرة على مواكبة التطورات الحديثة، والمساهمة في بناء مستقبل مشرق للأمة العربية. إن استمرار هذه الجهود وتوسيع نطاقها سيضمن بقاء اللغة العربية لغةً عالميةً، ورمزاً للثقافة العربية الأصيلة.

شاركها.
Exit mobile version