في خضم النمو الهائل الذي تشهده منصات التجارة الإلكترونية، تبرز قضايا السلامة والجودة كأولوية قصوى للمستهلكين والجهات الرقابية على حد سواء. مؤخرًا، أثارت تقارير منظمة “غرينبيس” حول وجود مواد كيميائية خطرة في ملابس تباع على منصة “شي إن” جدلاً واسعًا، مما دفع الشركة إلى الرد واتخاذ إجراءات سريعة. هذا المقال سيتناول تفاصيل هذه القضية، ورد فعل “شي إن”، وأهمية سلامة الملابس للمستهلكين.
رد فعل “شي إن” على تقرير “غرينبيس” حول المواد الكيميائية
أعلنت شركة “شي إن” (SHEIN)، إحدى أكبر منصات التجارة الإلكترونية للملابس في العالم، عن ردها على التقرير الذي نشرته منظمة “غرينبيس” البيئية. التقرير اتهم “شي إن” ببيع ملابس تحتوي على مستويات خطرة من المواد الكيميائية، تتجاوز الحدود المسموح بها في الاتحاد الأوروبي. وقد أكدت “شي إن” في بيان رسمي أنها أخذت التقرير على محمل الجد، واتخذت إجراءات فورية لإزالة المنتجات المعنية من جميع منصاتها حول العالم.
التحقيق الداخلي ونتائجه
لم يقتصر رد فعل “شي إن” على الإزالة الفورية للمنتجات فحسب، بل أعلنت الشركة عن إجراء تحقيق داخلي شامل للوقوف على أسباب وجود هذه المواد الكيميائية. ووفقًا لنتائج التحقيق، زعمت “شي إن” أن جميع المنتجات التي خضعت للاختبار مطابقة بالفعل للوائح الاتحاد الأوروبي. هذا التصريح أثار المزيد من التساؤلات حول دقة اختبارات “غرينبيس” ومنهجية التحقيق التي اتبعتها “شي إن”.
تفاصيل تقرير “غرينبيس” والمواد الكيميائية الخطرة
كشفت “غرينبيس” في تقريرها عن تحاليل أجريت على 56 قطعة ملابس تم شراؤها من “شي إن”. أظهرت التحاليل أن 18 قطعة تحتوي على مواد كيميائية خطرة، بعضها تجاوز الحدود المسموح بها بشكل كبير. وتضمنت هذه المواد الفثالات (Phthalates) ومركبات PFAS، المعروفة أيضًا باسم “المواد الكيميائية الأبدية”.
ما هي الفثالات و PFAS؟ ولماذا هي خطيرة؟
الفثالات هي مواد كيميائية تستخدم لتليين البلاستيك، وغالبًا ما توجد في الملابس لإضفاء ملمس ناعم ومرونة. أما مركبات PFAS فهي مواد مقاومة للماء والبقع، وتستخدم على نطاق واسع في صناعة المنسوجات. تعتبر هذه المواد خطيرة لأنها تعتبر ملوثات دائمة، أي أنها لا تتحلل في البيئة وتتراكم في جسم الإنسان. وقد ربطت الدراسات هذه المواد بمجموعة متنوعة من المشاكل الصحية، بما في ذلك السرطان، واضطرابات في الإنجاب والنمو لدى الأطفال، وضعف في الجهاز المناعي.
تأثير هذه المواد على الصحة
تُعدّ هذه المواد خطيرة بشكل خاص لأنها يمكن أن تدخل الجسم عبر الجلد وعن طريق استنشاق الألياف. وقد شملت الاختبارات التي أجرتها “غرينبيس” أيضًا ملابس الأطفال، مما يزيد من المخاوف بشأن تعرض الأطفال لهذه المواد السامة المحتملة. هذا يسلط الضوء على أهمية جودة الملابس وضرورة التأكد من خلوها من المواد الضارة.
أهمية الرقابة على جودة الملابس و سلامة المستهلك
تأتي هذه القضية لتؤكد على أهمية الرقابة الصارمة على جودة الملابس والمواد المستخدمة في صناعتها. فمع تزايد شعبية التجارة الإلكترونية، أصبح من الضروري وجود آليات فعالة لضمان سلامة المستهلك وحمايته من المنتجات الضارة.
دور الجهات الرقابية
يجب على الجهات الرقابية في مختلف البلدان تكثيف جهودها في مراقبة المنتجات المستوردة والتأكد من مطابقتها للمعايير الصحية والبيئية. كما يجب عليها التعاون مع منصات التجارة الإلكترونية لضمان تطبيق هذه المعايير بشكل فعال.
مسؤولية الشركات
بالإضافة إلى ذلك، تتحمل الشركات المصنعة للملابس ومنصات البيع عبر الإنترنت مسؤولية كبيرة في ضمان سلامة منتجاتها. يجب عليها إجراء اختبارات دورية للمواد المستخدمة والتأكد من خلوها من المواد الضارة. كما يجب عليها توفير معلومات واضحة للمستهلكين حول مكونات الملابس وكيفية العناية بها. الشفافية في سلسلة التوريد هي أيضًا عنصر أساسي لضمان الاستدامة في الموضة وتقديم منتجات آمنة.
مستقبل التجارة الإلكترونية للملابس والتركيز على الاستدامة
تُظهر هذه القضية أن النمو السريع للتجارة الإلكترونية للملابس لا يمكن أن يأتي على حساب سلامة المستهلكين والبيئة. يجب على الشركات أن تتبنى ممارسات أكثر استدامة ومسؤولية، وأن تضع سلامة المستهلكين على رأس أولوياتها.
نحو صناعة أزياء أكثر أمانًا
من المتوقع أن يشهد المستقبل تركيزًا أكبر على الأزياء المستدامة والمنتجات الصديقة للبيئة. سيبحث المستهلكون بشكل متزايد عن العلامات التجارية التي تلتزم بمعايير عالية من السلامة والجودة، وأن تكون شفافة بشأن ممارساتها. وهذا سيشجع الشركات على الاستثمار في تقنيات جديدة ومواد بديلة لتقليل استخدام المواد الكيميائية الضارة.
في الختام، تُعدّ قضية “شي إن” بمثابة تذكير بأهمية اليقظة والحذر عند شراء الملابس عبر الإنترنت. يجب على المستهلكين أن يكونوا على دراية بالمخاطر المحتملة وأن يختاروا المنتجات بعناية. كما يجب على الشركات والجهات الرقابية أن تعملوا معًا لضمان سلامة المنتجات وحماية صحة المستهلكين. نتمنى أن تشكل هذه الأحداث نقطة تحول نحو صناعة أزياء أكثر أمانًا واستدامة.


