مهرجان دبي لمسرح الشباب يضيء الشندغة بـ “سائر” وعروض متنوعة
انطلقت فعاليات مهرجان دبي لمسرح الشباب، الذي تنظمه هيئة الثقافة والفنون في دبي (دبي للثقافة) في حي الشندغة التاريخي، لتقدم منصةً إبداعيةً للشباب الموهوب في مجال الفنون الأدائية. وقد لفت عرض “سائر” اهتماماً كبيراً، حيث قدم تجربة مسرحية مؤثرة تتناول قضايا الاغتراب والرحيل، مستخدماً سينوغرافيا بسيطة لكنها معبرة، تعتمد بشكل أساسي على حقائب السفر كرمزية مركزية. هذا العرض، الذي قدمه مسرح خورفكان للفنون، يمثل إضافة نوعية للمهرجان، ويؤكد على قدرة المسرح الشبابي على معالجة قضايا عميقة بطرق مبتكرة.
“سائر”: رحلة في أعماق الذاكرة والوجع
“سائر” ليس مجرد عرض مسرحي، بل هو تأمل فلسفي في معنى الرحيل، ليس كتحول جغرافي، بل كحالة وجودية. يركز العرض على شخصية “سائر” التي تحمل على عاتقها ثقل الماضي، وتعيش صراعاً داخلياً بين الرغبة في الهروب من الألم، والخوف من المجهول. حقائب السفر، التي تتصدر المشهد، ليست مجرد وسيلة للتنقل، بل هي تجسيد للذكريات، والأحلام المؤجلة، والأعباء الثقيلة التي يحملها الإنسان في رحلته.
السينوغرافيا المبتكرة ودورها في تعزيز المعنى
اعتمد المخرج عبدالعزيز حبيب على سينوغرافيا بسيطة وفعالة، حيث تحولت حقائب السفر إلى شخصيات بحد ذاتها، تعكس حالات مختلفة من الحزن، والفقد، والأمل. هذه البساطة في التصميم ساهمت في تركيز الانتباه على الأداء التمثيلي، وعلى القصة المؤثرة التي يرويها العرض. كما أن استخدام الحقائب كعناصر متغيرة على المسرح، سمح بإنشاء فضاءات متعددة، تعبر عن التحولات الداخلية التي تمر بها الشخصية الرئيسية.
أداء تمثيلي يلامس القلوب
قدم الممثلون أداءً تمثيلياً متميزاً، تمكنوا من خلاله من تجسيد مشاعر الشخصيات بشكل واقعي ومؤثر. خاصةً أداء وئام أيت وعلياء يسري، اللذين أضفوا عمقاً إضافياً على الشخصيات. من خلال الحوارات العميقة والمونولوجات المؤثرة، استطاع الممثلون أن يأخذوا الجمهور في رحلة عاطفية، تجعلهم يتعاطفون مع معاناتهم، ويتأملون في قضايا الاغتراب والبحث عن الذات. حمدي حجيرة، الذي أدى دور “سائر”، عبر عن شعوره بالقرب من الشخصية، خاصةً كونه سوري الجنسية ومقيم في الإمارات، مما أضفى مصداقية أكبر على أدائه.
لمسات معاصرة تضفي حيوية على العرض
على الرغم من الطابع التراجيدي والعميق للعرض، إلا أن المخرج عبدالعزيز حبيب لم يتردد في إضافة لمسات فنية معاصرة، مثل الرقص التعبيري، الذي أتى مكملاً للأداء التمثيلي، وأضفى حيوية على المشاهد. هذه اللمسات المعاصرة ساهمت في جعل العرض أكثر جاذبية للجمهور الشاب، وأكدت على قدرة المسرح على التطور والتجدد. كما أن اختيار الموسيقى التصويرية كان موفقاً، حيث ساهمت في تعزيز الأجواء العاطفية للعرض.
مهرجان دبي للفنون الأدائية: منصة للمواهب الشابة
لا يقتصر مهرجان دبي للفنون الأدائية الشبابية على عروض المسرح، بل يشمل أيضاً مجموعة متنوعة من الفعاليات الفنية، مثل العروض الشعبية، وعروض الدمى المتحركة، والفقرات الموسيقية. وقد شهد المهرجان مشاركة لافتة من الشباب الإماراتي، الذين أبدوا موهبة وإبداعاً كبيرين في مختلف المجالات الفنية.
موهبة إماراتية واعدة: حمد عمر والقانون
من بين المواهب الشابة التي تألقت في المهرجان، الشاب الإماراتي حمد عمر، الذي قدم عزفاً مبهراً على آلة القانون. حمد، الذي يبلغ من العمر 17 عاماً، أشار إلى أن جده هو العازف المعروف مدني عبادي، وأن حبه للموسيقى ورغبته في تعلم العزف على القانون، جاءا نتيجة إلهام من عزف جده. وقد أعرب عن سعادته بالمشاركة في المهرجان، واعتبره فرصة رائعة لعرض موهبته، والتواصل مع فنانين آخرين. هذا العرض يبرز أهمية دعم المواهب الشابة في دولة الإمارات العربية المتحدة.
“سائر” يختتم رحلة مؤثرة
في الختام، يعود بنا عرض “سائر” إلى المعنى الحقيقي للغربة، فهي ليست مجرد الابتعاد عن الوطن، بل هي حالة من الضياع، والانفصال عن الذات، والشعور بأنك غريب حتى في مكانك الخاص. العرض يذكرنا بأن الرحيل ليس دائماً حلاً، وأن البقاء قد يكون مؤلماً، ولكن مهما أمعن الإنسان في الهروب، يبقى معلقاً بخيط من الأمل، يذكره بجذوره، وهويته. هذا العرض المسرحي المتميز يمثل إضافة قيمة للمشهد الفني في دولة الإمارات، ويؤكد على قدرة المسرح على إثارة التفكير، وتحريك المشاعر، وتقديم رؤى جديدة حول قضايا مهمة. كما أن تجربته تؤكد على أهمية الفنون المسرحية في التعبير عن القضايا المجتمعية.
لا شك أن مهرجان دبي لمسرح الشباب يمثل فرصة ذهبية للمواهب الشابة لعرض أعمالها، وتلقي الدعم والتشجيع. كما أنه يساهم في إثراء الحياة الثقافية في دبي، وجعلها وجهة عالمية للفنون والإبداع. إن هذا المهرجان يمثل تجسيداً لرؤية دبي في أن تصبح مركزاً عالمياً للثقافة والفنون، وموئلاً للمبدعين من جميع أنحاء العالم. ويؤكد على حرص دبي للثقافة على دعم الشباب وتشجيعهم على الإبداع والابتكار في جميع المجالات.


