ليس البحر عند أهل الإمارات مجرد ماء يمتد حتى الأفق، بل ذاكرة وطن، وسيرة رجال، وحكايات رزق وصبر ومغامرة. على ألواح السفن الخشبية كُتبت أولى خطوات الحلم، ومن فوق الأشرعة ارتفعت الدعوات وامتدت الأيادي نحو الغد. هذا الارتباط العميق بـ التراث البحري هو ما شكّل الهوية الإماراتية، وجعل من البحر جزءًا لا يتجزأ من حياة الأجداد والحاضر. سنستكشف في هذا المقال كيف حافظت الإمارات على هذا الإرث، وكيف يظل البحر مصدر فخر وإلهام للأجيال القادمة، مع التركيز على أهمية المرأة الإماراتية في البحر ودورها المتزايد في الحفاظ على هذا الموروث.

التراث البحري في الإمارات: أكثر من مجرد مهنة

لطالما كان البحر مصدر الحياة لأهل الإمارات، قبل اكتشاف النفط وبعده. لم يكن صيد الأسماك واللؤلؤ مجرد وسيلة لكسب العيش، بل نمط حياة قائم على المعرفة العميقة بالبحر، وفهم تقلباته، والاعتماد على الحكمة وفن الحرف اليدوية الإماراتية في بناء السفن وصناعة الأدوات اللازمة.

الأجداد لم يكونوا مجرد صيادين أو غواصين، بل كانوا بحارة ماهرين، وقادة حكيمين، وأصحاب عزيمة لا تلين. واجهوا صعاب البحر بشجاعة وصبر، وعادوا محمّلين بالرزق والعزيمة. هذه القصص من الشجاعة والصمود لا تزال حية في ذاكرة الإماراتيين، وتنتقل من جيل إلى جيل.

السفن الإماراتية: رمز الهوية البحرية

السفن الإماراتية التقليدية، مثل الدو، والبوم، والغلة، ليست مجرد وسائل نقل، بل هي تحف فنية تعكس مهارة الحرفيين الإماراتيين. كانت هذه السفن تبحر في المحيط الهندي، تصل إلى سواحل الهند وشرق أفريقيا، حاملة معها بضائع الإمارات ومنتجاتها، وجالبة منها الثقافات والمعارف المختلفة. حتى اليوم، لا تزال هذه السفن تحظى بمكانة خاصة في قلوب الإماراتيين، وتُعرض في المتاحف والمهرجانات كرمز للتراث البحري العريق.

المرأة الإماراتية في البحر: حكايات قوة وصمود

لا يمكن الحديث عن التراث البحري في الإمارات دون ذكر دور المرأة الإماراتية في البحر، الذي غالبًا ما يبقى مخفيًا في الظل. فالمرأة لم تكن مجرد شريكة حياة للبحار، بل كانت جزءًا لا يتجزأ من عملية الغوص وصيد اللؤلؤ.

كانت النساء ينتظرن عودة السفن بفارغ الصبر، ويشاركن في فرز وتصنيف اللؤلؤ، وتجهيز المؤن والملابس للبحارة. بالإضافة إلى ذلك، كنّ يقمن بدور حيوي في إدارة شؤون المنزل والرعاية بالأسرة، خلال غياب أزواجهن وأبنائهن في البحر.

اليوم، تشارك المرأة الإماراتية بفعالية في الحفاظ على التراث البحري، من خلال العمل في المتاحف البحرية، والمشاركة في المهرجانات، وتعليم الأجيال القادمة مهارات بناء السفن والغوص. كما برز دورها في مجال السياحة البحرية، حيث تعمل كمرشدات سياحيات، ومسؤولات عن تنظيم الرحلات البحرية.

مهرجانات التراث البحري: إحياء للذاكرة

تُقيم في جميع أنحاء دولة الإمارات العربية المتحدة العديد من مهرجانات التراث البحري، التي تهدف إلى إحياء هذا الإرث العريق، ونقله إلى الأجيال القادمة. تتضمن هذه المهرجانات عروضًا حية لسباقات الدو التقليدية، ومسابقات صيد الأسماك، ومعارض للحرف اليدوية الإماراتية، وعروضًا فنية وثقافية مستوحاة من البحر.

هذه المهرجانات ليست مجرد فعاليات ترفيهية، بل هي فرص قيمة للتعرف على تاريخ الإمارات وثقافتها، والتفاعل مع المجتمع المحلي. كما أنها تلعب دورًا هامًا في دعم الحرفيين المحليين، وتشجيعهم على مواصلة إنتاج أعمالهم الفنية اليدوية.

دور الحكومة في الحفاظ على التراث البحري

تولي حكومة الإمارات العربية المتحدة اهتمامًا كبيرًا بالحفاظ على التراث البحري، من خلال دعم المتاحف البحرية، والمهرجانات، والمشاريع التي تهدف إلى إحياء صناعة السفن التقليدية.

تهدف هذه الجهود إلى الحفاظ على هذا الإرث الثقافي للأجيال القادمة، وتعزيز السياحة البحرية، وتنمية الاقتصاد المحلي. كما تسعى الحكومة إلى تسجيل الموروث البحري الإماراتي في قائمة اليونسكو للتراث الإنساني، لضمان حمايته وتراثه على المستوى الدولي.

التراث البحري: مستقبل واعد

لا يقتصر التراث البحري في الإمارات على الماضي، بل يمتد ليشمل المستقبل. فالبحر لا يزال يلعب دورًا حيويًا في الاقتصاد الإماراتي، من خلال السياحة البحرية، وصيد الأسماك، والنقل البحري.

بالإضافة إلى ذلك، فإن البحر يمثل مصدر إلهام للفنانين والمبدعين الإماراتيين، الذين يستلهمون من جماله وقوته في أعمالهم الفنية. ويهدف الجيل الجديد من الإماراتيين إلى الاستفادة من هذا الإرث العريق، في تطوير صناعات جديدة، وتعزيز مكانة الإمارات كمركز عالمي للابتكار والإبداع.

في الختام، التراث البحري ليس مجرد مجموعة من المهارات والمعارف، بل هو جزء لا يتجزأ من الهوية الإماراتية. من خلال الحفاظ على هذا الإرث، فإن الإمارات تحافظ على ماضيها، وتبني مستقبلها. ونأمل أن تستمر هذه الحكايات في الإلهام والتأثير، وأن تظل مياه الخليج العربي شاهدة على مجد الإمارات وعلاقتها الأزلية بالبحر. شاركنا رأيك حول أهمية التراث البحري في الإمارات، وما هي الطرق الأخرى التي يمكننا من خلالها الحفاظ عليه؟

شاركها.
Exit mobile version