عام زاخر بالإنجازات: الثقافة والإرث الوطني في دولة الإمارات 2025

شهدت دولة الإمارات العربية المتحدة عام 2025 تحولاً ثقافياً ومعرفياً بارزاً، ترسخ مكانتها كمركز عالمي للإبداع والتراث. لم تكن هذه الإنجازات مجرد أحداث منفصلة، بل امتداداً لرؤية استراتيجية تهدف إلى تعزيز الهوية الوطنية، وحماية التراث المادي وغير المادي، وتطوير القطاع الثقافي بشكل شامل. تواصلت الجهود الحكومية، الاتحادية والمحلية، في إطلاق مبادرات نوعية، وافتتاح صروح ثقافية جديدة، والكشف عن كنوز أثرية، مما يعكس التزام الدولة الراسخ بالثقافة كركيزة أساسية للتنمية المستدامة.

تعزيز الذاكرة الوطنية: مواقع جديدة وقانون شامل للتراث

في خطوة تعكس تقديرها العميق لتاريخها، اعتمدت الإمارات موقع مزرعة الشيخ زايد في الخوانيج كمعلم وطني ثالث، إلى جانب دار الاتحاد وعرقوب السديرة. هذا الاعتراف يجسد أهمية هذه المواقع في حفظ إرث الآباء المؤسسين، وتوثيق اللحظات الفارقة في مسيرة بناء الدولة.

بالتوازي مع ذلك، وافق مجلس الوزراء على صياغة قانون اتحادي شامل بشأن التراث الثقافي. يهدف هذا القانون الطموح إلى حماية التراث الإماراتي وتوثيقه، والكشف عنه والمحافظة عليه، بالإضافة إلى تشجيع دراسته وتعزيز التبادل الثقافي. كما يضمن القانون استدامة هذا التراث للأجيال القادمة، ويؤكد على أهمية الحفاظ على التنوع الثقافي الغني الذي تتمتع به الدولة.

رؤى ثقافية جديدة: سياسات واستراتيجيات لدعم الإبداع

لم يقتصر الأمر على الحماية، بل امتد ليشمل التطوير. أطلقت وزارة الثقافة “السياسة الوطنية للحفاظ على التراث المعماري الحديث”، وهي مبادرة تهدف إلى صون المباني والمنشآت التي تعكس حقبة مهمة في تاريخ الإمارات، ودعم الهوية البصرية للدولة.

إضافة إلى ذلك، اعتمد المجلس السياسة العامة لقطاع الحضارة، بهدف تعزيز التواصل الحضاري بين الإمارات والعالم، وترسيخ القيم الوطنية المشتركة. وفي إمارة الشارقة، شكل المرسوم الأميري بإنشاء “حي الشارقة للإبداع” إضافة نوعية للقطاع الثقافي، حيث يوفر الحي منصة متكاملة لدعم المشاريع الابتكارية، ويساهم في ترسيخ مكانة الشارقة كحاضنة للمعرفة والعمل الإبداعي. هذه المبادرات تعكس التزام الإمارات بتوفير بيئة محفزة للإبداع والابتكار في جميع المجالات الثقافية.

دعم المبدعين وتعزيز السياحة الثقافية

أدركت الإمارات أهمية الاستثمار في رأس المال البشري الإبداعي، وأطلقت حزمة واسعة من البرامج لدعم المبدعين والحرفيين، وتطوير السياحة الثقافية. هذه البرامج، التي أطلقها مجلس الإمارات للتنمية المتوازنة بالتعاون مع وزارة الثقافة، شملت دعم 20 مشروعاً إبداعياً، وتدريب سفراء للثقافة، وتطوير أسواق متخصصة للحرف التقليدية.

يهدف هذا الدعم إلى تمكين المبدعين الإماراتيين، وتشجيعهم على تقديم أعمال فنية وثقافية تعبر عن هويتهم الوطنية، وتساهم في إثراء المشهد الثقافي العالمي. كما يهدف إلى جذب السياح المهتمين بالثقافة والتراث، وتعزيز مكانة الإمارات كوجهة سياحية ثقافية متميزة.

متاحف عالمية المستوى: نافذة على الفن والتاريخ

شهد عام 2025 افتتاح مجموعة من المتاحف الجديدة التي تعكس التنوع الثقافي والمعرفي في الإمارات. من بين هذه المتاحف، يبرز متحف “تيم لاب فينومينا أبوظبي” للفنون الرقمية، الذي يقدم تجربة فنية تفاعلية فريدة من نوعها.

كما افتتح متحف زايد الوطني، الذي يروي قصة الإمارات منذ جذورها العميقة وحتى نهضتها الحديثة، ليصبح صرحاً ثقافياً يفتخر به كل إماراتي. وانضم إليه متحف التاريخ الطبيعي أبوظبي، الذي يعرض كنوزاً من الحياة البرية والبحرية، ويوفر منصة للبحث العلمي والتوعية البيئية. بالإضافة إلى ذلك، أُعلن عن إنشاء متحف دبي للفنون “DUMA”، الذي سيساهم في تعزيز المشهد الفني في الإمارة، ودعم الفنانين المحليين والعالميين.

اكتشافات أثرية تكشف أسرار الماضي

لم تتوقف الاكتشافات الأثرية في الإمارات، بل توالت لتكشف عن المزيد من أسرار الماضي العريق. أعلنت دائرة الثقافة والسياحة – أبوظبي عن اكتشاف أول مقبرة من العصر الحديدي في العين، تضم أكثر من مائة مدفن ومقتنيات جنائزية قيمة. هذا الاكتشاف يسلط الضوء على فترة غير معروفة سابقاً من تاريخ المنطقة، ويوفر معلومات جديدة عن الحياة والمعتقدات في تلك الحقبة.

كما كشفت أعمال التنقيب في جزيرة الغلة بأم القيوين عن معطيات جديدة توضح امتداد الموقع الأثري لأربعة أضعاف التقديرات السابقة، واكتشاف مصطبة حجرية فريدة مكوّنة من عظام الأطوم، بالإضافة إلى العثور على لآلئ وأدلة على أنشطة اقتصادية واجتماعية متقدمة تعود إلى العصر الحجري الحديث. هذه الاكتشافات تؤكد على أهمية الإمارات كمنطقة غنية بالتراث الأثري، وتساهم في فهم أعمق لتاريخ المنطقة.

معارض الكتاب ومبادرات القراءة: تعزيز المعرفة واللغة العربية

استمرت معارض الكتاب في الإمارات في جذب أعداد كبيرة من الزوار، وتعزيز ثقافة القراءة والمعرفة. استقطب معرض أبوظبي الدولي للكتاب 2025 أكثر من 400 ألف زائر، فيما اختتم معرض الشارقة الدولي للكتاب دورته الـ44 باستضافة أكثر من مليون و400 ألف زائر، ليحافظ على لقبه كأكبر معرض للكتاب في العالم من حيث بيع وشراء حقوق النشر.

وفي إطار دعم اللغة العربية، واصلت مبادرة تحدي القراءة العربي نجاحها، حيث استقطبت منذ انطلاقها أكثر من 163 مليون طالب، وأسهمت في رفع معدلات القراءة وتطوير علاقة الأجيال باللغة العربية. تلقت المبادرة دعماً جديداً عبر مساهمة مجموعة “شوبا” بوقف قيمته 500 مليون درهم لتوسيع انتشار القراءة.

الإمارات على المسرح العالمي: اليونسكو والتعاون الدولي

تواصلت جهود الإمارات في تعزيز حضورها في المحافل الدولية، وحماية التراث العالمي. شاركت الدولة في افتتاح عدد من المواقع التي أُعيد إعمارها في مدينة الموصل العراقية، ضمن مبادرة “إحياء روح الموصل”، مؤكدة التزامها بدعم جهود إعادة الإعمار في المنطقة، وحماية التراث الثقافي الإنساني.

كما نجحت الإمارات في إدراج 4 عناصر جديدة في القائمة التمثيلية للتراث الثقافي غير المادي للبشرية لدى منظمة اليونسكو، بما في ذلك فن “الآهلة”، و”البشت”، و”زفة العروس”، و”الكحل”. هذا الإنجاز يعكس الاعتراف الدولي بأهمية التراث الإماراتي، وجهود الدولة في الحفاظ عليه. وانتُخبت الإمارات نائباً لرئيس المؤتمر العام لمنظمة اليونسكو، مما يعزز دورها في صياغة السياسات الثقافية العالمية.

نحو مستقبل ثقافي مزدهر

باختصار، كان عام 2025 عاماً استثنائياً لدولة الإمارات في مجال الثقافة والإرث الوطني. من خلال الاستثمار في التراث، ودعم الإبداع، وتعزيز المعرفة، نجحت الإمارات في ترسيخ مكانتها كوجهة عالمية للثقافة والفنون. هذه الإنجازات ليست سوى بداية لمستقبل ثقافي أكثر ازدهاراً، حيث ستواصل الإمارات جهودها في الحفاظ على هويتها الوطنية، وتقديم إسهامات قيمة للمشهد الثقافي العالمي. ندعوكم لاستكشاف الثقافة الإماراتية الغنية والتفاعل مع مبادراتها المتنوعة.

شاركها.
Exit mobile version