قضية بيتر سوليفان: سنوات ضائعة وظلم تاريخي في بريطانيا

تستمر قضية بيتر سوليفان في إثارة جدلاً واسعاً في بريطانيا، بعد أن قضى حوالي 40 عاماً في السجن قبل إثبات براءته. القضية، التي وصفها البعض بأنها “أسوأ حالة إساءة لتطبيق العدالة في تاريخ بريطانيا”، تلقي الضوء على أخطاء القضاء وإجراءات الشرطة التي أدت إلى تدمير حياة رجل بريء. في تطورات حديثة، كشف الظلم القضائي الذي تعرض له سوليفان عن تفاصيل مروعة حول الضغط والاعتداء الذي تعرض له للحصول على اعتراف بجريمة لم يرتكبها.

تفاصيل القضية: اعتراف تحت التعذيب و سنوات السجن

أُطلق سراح بيتر سوليفان البالغ من العمر 68 عاماً في وقت سابق من هذا العام بعد قضاء أربعة عقود خلف القضبان بتهمة قتل ديان سيندال، الشابة التي قُتلت في عام 1986. ولكن، كشفت الأدلة الحديثة، وخاصةً تحليل الحمض النووي، أن الجاني الحقيقي هو شخص آخر غيره. هذا الاكتشاف هز الرأي العام وأثار تساؤلات حول مدى دقة التحقيقات الأولية وعمل الشرطة.

يدعي سوليفان أنه تعرض للتعذيب الجسدي والنفسي من قبل ضباط الشرطة لإجباره على الاعتراف بتهمة القتل. وذكر أنه تعرض للضرب المبرح في زنزانته، حيث “جلدوه” بهدف إرغامه على توقيع اعتراف غير صحيح. كما يزعم أنه هُدد بتهم إضافية، تصل إلى 35 قضية اغتصاب أخرى، في محاولة لكسر إرادته. وقد تم تسجيل اعترافه دون وجود محامٍ، وهو ما يعتبر مخالفاً للإجراءات القانونية السليمة.

“وحش بيركنهيد”: وصمة عار ظلت تلاحقه

خلال فترة اعتقاله ومحاكمته، أُطلق على بيتر سوليفان ألقاب مهينة مثل “وحش بيركنهيد” و”الرجل الذئب”، بسبب وجود آثار عض على جسد الضحية. يقول سوليفان إن هذه الألقاب ستظل تطارده طوال حياته، مؤكداً أنه لم يكن يوماً الشخص الذي وصفوه به. لا يمكن تصور الألم والمعاناة التي تسبب بها هذا التشويه لسمعته وحياته.

مطالب سوليفان: اعتذار وتعويض عن سنوات الضياع

الآن، بعد إثبات براءته، يطالب سوليفان الشرطة البريطانية بتقديم اعتذار رسمي عن الخطأ الفادح الذي ارتكبوه، والذي كلفه عقوداً من حياته. كما يسعى للحصول على تعويض مالي عن الضرر النفسي والمادي الذي لحق به نتيجة لهذا السجن الظالم.

في أول تصريح له بعد إطلاق سراحه، عبر سوليفان عن عدم قدرته على مسامحة المسؤولين عن هذا الظلم، قائلاً: “لا أستطيع مسامحتهم على ما فعلوه بي، لأنه سيظل معي طوال حياتي.” وأضاف: “لقد فقدتُ حريتي، وفقدتُ والدتي ووالدي، وهذا يؤلمني لأنني لم أكن بجانبهما.” بالإضافة إلى ذلك، لم يتمكن من حضور جنازة والدته، حيث دُفنت في نفس المقبرة التي دُفنت فيها الضحية سيندال.

إجراءات المراجعة القضائية: رحلة طويلة نحو الحرية

بدأ سوليفان رحلة البحث عن العدالة في عام 2008، عندما قدم طلبه الأول إلى لجنة مراجعة القضايا الجنائية. ولكن طلبه رُفض. ومع ذلك، لم يستسلم، وقدم طلباً آخر في عام 2021، بعد أن كشفت فحوص الطب الشرعي الجديدة عن الحمض النووي لرجل آخر في مسرح الجريمة.

وفي مايو الماضي، أُلغيت إدانة سوليفان رسمياً، وسط دموعه، معرباً عن أسفه لعائلة سيندال وعرض “الوقوف بجانبهم” في هذا الوقت العصيب. لقد كان لحظة تاريخية، ولكنها لا تمحو سنوات الظلم والمعاناة التي عاشها.

تداعيات القضية ودعوات إلى إصلاح نظام العدالة

تثير قضية بيتر سوليفان تساؤلات جدية حول نظام العدالة الجنائية في بريطانيا، وضرورة إجراء إصلاحات شاملة لضمان عدم تكرار مثل هذه الأخطاء. هناك دعوات متزايدة لتحسين إجراءات التحقيق، وتعزيز حقوق المتهمين، وزيادة الشفافية في عمل الشرطة. يجب أن تكون هذه القضية بمثابة تذكير قوي بأهمية الحفاظ على حقوق الإنسان واحترام سيادة القانون. كما يجب على السلطات أن تولي اهتماماً خاصاً لقضايا الأحكام الخاطئة، وأن تضمن توفير آليات فعالة لتصحيحها.

ختاماً، قضية بيتر سوليفان ليست مجرد قصة عن رجل بريء قضى سنوات في السجن، بل هي قصة عن نظام معيب بحاجة إلى إصلاح، وعن أهمية السعي الدائم لتحقيق العدالة والإنصاف. من الضروري إجراء تحقيق شامل في ملابسات هذه القضية، ومحاسبة المسؤولين عن هذا الظلم التاريخي، لضمان عدم تكرار مثل هذه المأساة في المستقبل.

شاركها.
Exit mobile version