مستقبل المتاحف في الإمارات: بين التراث والتكنولوجيا وجذب الشباب
تواجه المتاحف في العصر الحديث تحديات متزايدة، فبين مسؤولية توثيق الحضارات والحفاظ على الإرث الإنساني، وبين ضرورة التكيف مع اهتمامات الجيل الجديد الذي يميل إلى التكنولوجيا ووسائل الإعلام الرقمية، تسعى هذه المؤسسات الثقافية إلى إيجاد طرق مبتكرة للحفاظ على دورها الحيوي كمركز للمعرفة والثقافة. لم يعد مجرد عرض المقتنيات كافيًا لاستقطاب الشباب الباحث عن تجارب تفاعلية غنية، بل أصبح من الضروري إعادة تصور المساحات المتحفية وتقديم محتوى يتناسب مع عالمهم الرقمي. هذا التحول يتطلب استثمارًا في التقنيات الحديثة مثل الواقع الافتراضي والمعزز، والتطبيقات الذكية، والعروض الغامرة، لخلق تجربة زيارة لا تُنسى.
تحول المتاحف: من حفظ المقتنيات إلى فضاءات تفاعلية
يشهد قطاع المتاحف في دولة الإمارات العربية المتحدة، وخاصةً في دبي، تطورًا ملحوظًا يعكس هذا الوعي بأهمية التغيير والتكيف. فقد تجاوزت هذه المؤسسات مفهومها التقليدي كمستودعات للمقتنيات الأثرية، وتحولت إلى فضاءات حيوية للتعلم والتفاعل المجتمعي.
يقول عبدالله العبيدلي، مدير متحف الشندغة: “المتاحف تمكنت من تجاوز مفهومها التقليدي، بوصفها أماكن مخصصة لحفظ المقتنيات والقطع الأثرية، وتحولت إلى فضاءات مفتوحة للتعلم والتفاعل المجتمعي. هيئة دبي للثقافة والفنون نجحت في تحويل متحف الشندغة ومتحف الاتحاد إلى مساحات حيوية تسهم في تعزيز التواصل والتفاهم، وتشجع على تبادل الخبرات.” ويضيف العبيدلي أن التقنيات الحديثة تمثل جسرًا فعالًا يربط الشباب بعالم المتاحف بطريقة مبتكرة، مؤكدًا على توظيف أحدث تقنيات العرض في متحفي الشندغة والاتحاد لتمكين الزوار من استكشاف تاريخ دبي بطرق تفاعلية.
متحف المستقبل: نموذج رائد في جذب الشباب
يُعد متحف المستقبل في دبي مثالًا بارزًا على هذا التحول. فمنذ افتتاحه في فبراير 2022، استقبل المتحف أكثر من أربعة ملايين زائر من مختلف أنحاء العالم، مما يعكس مكانته كمعلم ثقافي وعلمي هام.
ويوضح ماجد المنصوري، المدير التنفيذي لمتحف المستقبل: “بيانات الزوار تُظهر أن فئة الشباب تمثّل نسبة كبيرة من جمهور المتحف، كونهم الأكثر تفاعلاً مع التجارب الغامرة والمحتوى المعرفي الإبداعي والبرامج التعليمية والتفاعلية التي نقدمها.” ويؤكد المنصوري أن التحدي الحقيقي لا يكمن في جذب الشباب، بل في الحفاظ على اهتمامهم وإلهامهم من خلال تقديم محتوى متجدد وتجارب متطورة.
برامج ومبادرات لتمكين الشباب
يعتمد متحف المستقبل على منظومة متكاملة من البرامج التعليمية والمبادرات المعرفية التي تهدف إلى تمكين الشباب بالمعارف والمهارات اللازمة للمستقبل. من بين هذه المبادرات:
- مخيم أبطال المستقبل: يقدم محتوى متخصصًا في علوم الفضاء، والتكنولوجيا المتقدمة، والذكاء الاصطناعي، والاستدامة، وريادة الأعمال.
- ورش عمل وتجارب موسمية: تُقدم بالتعاون مع خبراء ومختصين عالميين، مما يتيح للشباب فرصة لاكتساب معرفة مباشرة من أصحاب الخبرة.
- الملتقى المعرفي: برنامج ينظم بالتعاون مع مبادرة نوابغ العرب، ويوفر مساحة للحوار المفتوح بين الشباب ورواد الابتكار والعلم والتكنولوجيا.
- لقاءات خبراء المستقبل: سلسلة لقاءات تهدف إلى تبادل المعرفة والخبرات بين الشباب والخبراء في مختلف المجالات.
المتاحف الخاصة: إثراء المشهد الثقافي ورواية القصص الشخصية
بالإضافة إلى المتاحف الحكومية، تلعب المتاحف الخاصة دورًا هامًا في إثراء المشهد الثقافي في دولة الإمارات. يقول الدكتور عبيد الكتبي، مؤسس متحف “1185”: “المتحف يعتبر مكانًا ملهمًا ولاسيما للأجيال الجديدة، إذ يجد الزائر ما يلامس شخصيته، خصوصًا أن المتحف يتضمن أكثر من 15 ألف قطعة وقصة تُروى للناس.” ويضيف الكتبي أن متحفه يروي العديد من التجارب الشخصية منذ العام 1971 إلى يومنا هذا، ويقدم قصصًا جميلة تساعد الناس على رؤية الأمل من خلال التعرف على الإنجازات.
ويشير الكتبي إلى أن هناك حاجة إلى تبني قوانين واستراتيجيات لدعم المتاحف الخاصة، وتنظيم عملها، وتوجيه الزوار إليها، وتصنيف المتاحف الجيدة ودعمها. ففي دولة الإمارات، يوجد أكثر من 250 متحفًا حكوميًا وخاصًا، ويقارب عدد المتاحف الخاصة 150 متحفًا، مما يدل على أهمية هذا القطاع.
تجربة المتاحف التايوانية: دمج التكنولوجيا وتدريب الشباب
تقدم تجربة المتحف التايواني الوطني، كما تشير فييدرا فانغ، الأمين العام للمجلس الدولي للمتاحف، قسم التاريخ الطبيعي، رؤية قيمة حول كيفية جذب الشباب. ويعتمد المتحف على توظيف طلاب الجامعات وتدريبهم، مما يخلق بيئة مثالية للشباب للتفاعل مع مختلف الثقافات.
وتؤكد فانغ على أهمية إعادة تقديم سردية المتحف بشكل متكامل، مع الأخذ في الاعتبار أن الشباب يعيشون مرحلة تقرير المصير. وتشير إلى أن التكنولوجيا، على الرغم من أهميتها، يجب استخدامها بحذر لتجنب إغراق الزوار بالمعلومات أو صرف انتباههم عن المحتوى الأساسي. وتشدد على أن التحدي الأساسي الذي يواجه المتاحف يكمن في كيفية رواية القصة بطريقة جذابة ومؤثرة.
نحو مستقبل واعد للمتاحف
إن مستقبل المتاحف في الإمارات يبدو واعدًا، مع استمرار الجهود المبذولة لدمج التكنولوجيا، وتطوير البرامج التعليمية، وتعزيز الشراكات مع المؤسسات التعليمية، ورواية القصص بطرق مبتكرة. من خلال هذه الجهود، يمكن للمتاحف أن تحافظ على دورها الحيوي كمركز للمعرفة والثقافة، وأن تجذب جيل الشباب وتلهمهم للمشاركة الفاعلة في بناء مستقبل أفضل. لذا، ندعوكم لزيارة المتاحف في الإمارات واستكشاف كنوزها الثقافية والمعرفية، والتفاعل مع التجارب المبتكرة التي تقدمها.


