تشهد منصة مزاينة مدينة زايد في مهرجان الظفرة إقبالاً كبيراً من محبي مزاينة الإبل، حيث تُعرض أروع المطايا وتُقيّم بأعلى المعايير. هذا العام، كما في الأعوام السابقة، يشكل التفاعل الفريد بين المالك وناقته جزءاً لا يتجزأ من المشهد، وهو ما يبرز في ظاهرة الـ “صيحة” التي تُعد عنصراً أساسياً في إبراز جمال الإبل وجاذبيتها أمام لجنة التحكيم.
أهمية الصيحة في مزاينة الإبل
إن الـ “صيحة” ليست مجرد هتاف أو نداء، بل هي لغة تواصل خاصة بين مربي الإبل ومطاياهم. يقوم المالك أو أحد أفراد عائلته أو المقربين بالصراخ باسم الناقة أو بإطلاق أصوات مألوفة عرفتها المطية في العزبة، وذلك بهدف جذب انتباهها عندما تقف أمام لجنة التحكيم. هذه العملية ليست عشوائية، بل مبنية على علاقة قوية ودرجة عالية من الثقة بين الإنسان والحيوان.
كيف تستجيب الإبل للصيحة؟
تتميز الإبل بحساسية عالية تجاه نبرة صوت مالكها، وقدرة فريدة على تمييزه عن غيره حتى في خضم الضوضاء الصاخبة التي تشهدها منصات المزاينة. بمجرد سماع الصيحة، ترفع الناقة رأسها بفخر، وتشتد قامتها، وتبدو أكثر تألقاً. هذا التفاعل ليس مجرد رد فعل غريزي، بل هو استجابة واعية تدل على شعور المطية بالاطمئنان والسكينة بوجود صاحبها بالقرب منها. هذا الشعور الإيجابي يساهم بشكل كبير في إبراز جمالها وأدائها أمام لجنة التحكيم، مما يزيد من فرص حصولها على درجات عالية.
الصيحة كفن وتقنية في المزاينة
لا يقتصر دور الصيحة على مجرد لفت انتباه الناقة، بل يتعداه ليصبح فناً وتقنية يتقنها مربو الإبل المتمرسون. فهم يدركون تماماً أهمية التوقيت والصوت المناسب لتحقيق أفضل النتائج. ففي بعض الأحيان، قد يكون الصراخ العالي والمستمر ضرورياً لتنشيط الناقة والخروج بها من حالة الخمول والكسل. وفي أحيان أخرى، قد يكون الصوت الهادئ والودي كافياً لإضفاء جو من الهدوء والاسترخاء على المطية.
دور لجان التحكيم في تقييم جمال الإبل
تلعب لجان التحكيم دوراً حاسماً في تحديد الفائزين في مسابقات الإبل، حيث تعتمد على مجموعة من المعايير لتقييم جمال وأصالة المطايا المشاركة. من بين هذه المعايير: شكل الرأس، طول العنق، امتلاء الثدي، نعومة الجلد، وقوام الجسم. وتسعى لجـان التحكيم لتقييم الإبل بكل حيادية وموضوعية، مع الأخذ في الاعتبار العوامل الوراثية والبيئية التي تؤثر على جمالها.
العلاقة التاريخية بين الإنسان والإبل
العلاقة بين الإنسان والإبل في منطقة الخليج العربي علاقة قديمة وعميقة، تعود إلى قرون مضت. لطالما كانت الإبل جزءاً لا يتجزأ من الحياة البدوية، حيث استخدمت كوسيلة للنقل، ومصدر للغذاء، ورمزاً للمكانة الاجتماعية. وقد تطورت هذه العلاقة عبر الأجيال، وأصبحت مبنية على الثقة والاحترام المتبادل.
الصيحة كتعبير عن التراث والهوية
تعد الـ “صيحة” جزءاً أصيلاً من التراث العربي، وهي تعبير عن العلاقة الفريدة بين الإنسان والإبل. إنها تجسيد لثقافة البدو وحياتهم، ورمز لهويتهم وفخرهم. فمن خلال الـ “صيحة”، يؤكد مربو الإبل على أصالتهم وتمسكهم بتقاليدهم العريقة.
بالإضافة إلى ذلك، تعتبر المزاينة فرصة لتعزيز السياحة الثقافية في المنطقة، وتسليط الضوء على أهمية الإبل في التراث العربي. كما أنها تشجع على الحفاظ على سلالات الإبل الأصيلة، وتعزيز الاهتمام بها ورعايتها. ونحن نرى أن الظفرة بشكل خاص،قد أصبحت علامة فارقة في هذا النوع من الرياضات التراثية.
مستقبل مزاينة الإبل والاهتمام بالتراث
مع استمرار شعبية مزاينة الإبل، يزداد الاهتمام بتطوير هذه الرياضة التراثية، وتقديمها للعالم بأفضل صورة. وهذا يشمل الاستثمار في البنية التحتية للمنصات، وتدريب لجان التحكيم، ووضع قوانين ولوائح واضحة تضمن نزاهة المسابقات.
إن الحفاظ على التراث العربي هو مسؤولية مشتركة تقع على عاتق الجميع، سواء كانوا أفراداً أو مؤسسات أو حكومات. ومن خلال دعم رياضات مثل مزاينة الإبل، يمكننا أن نساهم في الحفاظ على هويتنا الثقافية، ونقلها للأجيال القادمة.
في الختام، فإن الـ “صيحة” في مزاينة الإبل ليست مجرد وسيلة لجذب الانتباه، بل هي رمز لعلاقة تاريخية عميقة بين الإنسان والحيوان، وتعبير عن تراث وثقافة عريقة. إنها جزء لا يتجزأ من المشهد، وتضيف إلى المزاينة سحراً وجاذبية لا مثيل لهما. ندعوكم لمتابعة فعاليات مهرجان الظفرة والاستمتاع بجماليات هذه الرياضة التراثية الفريدة، والتفاعل مع هذا المشهد الثقافي المميز.


