إحياء التراث بالطين: سعيد الشحي يبهر زوار مهرجان العين للكتاب بفنه
يشهد مهرجان العين للكتاب، الذي ينظمه مركز أبوظبي للغة العربية، حضوراً لافتاً للشاب الإماراتي الموهوب، سعيد الشحي، الذي يجسد بفنه العريق قيمة الحفاظ على التراث الإماراتي. الشحي يعيد إحياء صناعة الفخار بمهارة فائقة، حيث يحوّل الطين إلى تحف فنية وأدوات تراثية تعرض في ساحة العين سكوير، وتستقطب اهتمام الزوار الذين يجدون في هذه الأعمال لمسة من الأصالة والجمال. ويأتي هذا في إطار جهود المهرجان لتقديم محتوى ثقافي متنوع يعكس الهوية الوطنية.
قصة شغف بدأت في رأس الخيمة
بدأ الشحي رحلته مع صناعة الفخار في سن مبكرة، حيث اكتشف شغفه بهذه الحرفة التقليدية وهو في الثانية عشرة من عمره. نشأ في منطقة رأس الخيمة الغنية بالجبال والأودية، والتي تزخر بأنواع مختلفة من الطين، مما أتاح له فرصة التعلم والتجربة. يصف الشحي هذه الفترة قائلاً: “ولدت ونشأت في رأس الخيمة، وهي منطقة تتميز بوجود الجبال والأودية، وتعد بيئة خصبة لمختلف أنواع الطين، وتشتهر بحرفة صناعة الفخّار.”
جمع الطين وتجهيزه: خطوات أساسية
يؤكد الشحي على أهمية جمع الطين بأنواعه المختلفة – الأحمر والأصفر والأخضر – وتنظيفه بعناية من الأحجار والشوائب. بعد ذلك، يتم عجن الطين بالماء للحصول على عجينة متماسكة، يطلق عليها محلياً “الغيلة”. هذه العملية الدقيقة هي أساس كل قطعة فخارية ناجحة، وتتطلب خبرة ومهارة لضمان الحصول على القوام المثالي.
معرض يزخر بالتحف التراثية
يستعرض الشحي في ركنه المخصص في المهرجان مجموعة رائعة من الأدوات المحلية التراثية المصنوعة من الطين. تشمل هذه الأدوات “الدلّة” الأيقونية، و”البرمة” المستخدمة في الطهي، و”اليحلة” التي كانت تستخدم لحفظ الماء، بالإضافة إلى “الخرص” الذي يحافظ على برودة الماء والمواد الغذائية. هذه الأدوات ليست مجرد قطع فنية، بل هي جزء لا يتجزأ من تاريخ وثقافة الإمارات.
المداخن والمباخر: لمسة عصرية على أصالة الماضي
إلى جانب الأدوات التقليدية، يقدم الشحي أيضاً تصاميم مبتكرة للمداخن والمباخر، تجمع بين عراقة الماضي وأناقة الحاضر. من بين هذه التصاميم مدخنة مكونة من طابقين تُعرف باسم “المدخن المغطاي”، بالإضافة إلى نماذج مستوحاة من قلعة المربعة التاريخية في العين وقلعة الحصن الشهيرة. هذه الأعمال تعكس قدرة الشحي على التجديد والإبداع في الحرف اليدوية الإماراتية.
إبداعات فنية تجسد معالم الإمارات
لم يقتصر إبداع الشحي على الأدوات التراثية والمداخن، بل امتد ليشمل صناعة مجسمات فريدة لمعالم الإمارات التاريخية. فقد صنع مجسمات دقيقة لقلعة الجاهلي في العين وقلعة المزيرعة في ليوا، مما يدل على مهارته العالية في تشكيل الطين وتفاصيله. هذه المجسمات تعتبر بمثابة سفراء للتراث الإماراتي، وتنقل للجيل الجديد أهمية هذه المعالم التاريخية.
النقش على الفخار: فن يضفي قيمة مضافة
يتميز الشحي أيضاً بمهاراته في النقش على الفخار، حيث يستخدم أدوات خشبية خاصة يصنعها بنفسه لإضافة لمسات جمالية إلى أعماله. قام بنقش شعار الدولة على بعض المداخن، ورسم نقوشاً مستوحاة من النخيل والسدو، وهي عناصر أساسية في البيوت الإماراتية التقليدية. هذه النقوش تضفي قيمة فنية وتاريخية على القطع، وتجعلها أكثر تميزاً وجاذبية.
ورش تعليمية لنقل الخبرة
إدراكًا لأهمية نشر هذه الحرفة العريقة، يقدم الشحي ورشاً تعليمية للزوار خلال مهرجان العين للكتاب، لتعليمهم أساسيات صناعة الفخار وتقنيات التشكيل. تتيح هذه الورش للراغبين فرصة لاكتساب مهارات جديدة والتواصل المباشر مع فنان متميز، مما يساهم في إحياء هذا التراث الثمين. بالإضافة إلى ذلك، تشجع هذه الورش على تنمية الحس الفني والإبداعي لدى المشاركين.
صناعة الفخار كجزء من الهوية الوطنية
إن مشاركة سعيد الشحي في مهرجان العين للكتاب تأتي تتويجاً لجهوده في الحفاظ على الحرف اليدوية الإماراتية وتعزيزها. إنه يمثل نموذجاً للشباب الإماراتي المبدع الذي يسعى إلى إحياء التراث الوطني وتقديمه للعالم. إن صناعة الفخار ليست مجرد حرفة، بل هي جزء لا يتجزأ من الهوية الإماراتية وتعبير عن الأصالة والجمال. من خلال أعماله، يذكرنا الشحي بأهمية الحفاظ على هذا التراث الثمين ونقله إلى الأجيال القادمة.
ختاماً، نأمل أن يستمر الشحي في إبداعاته وتميزه، وأن يلهم المزيد من الشباب الإماراتي للانخراط في الحرف اليدوية الإماراتية والمساهمة في إثراء المشهد الثقافي في دولة الإمارات العربية المتحدة. ندعوكم لزيارة ركنه في مهرجان العين للكتاب قبل انتهاء فعالياته اليوم، والتعرف على هذا الفن العريق عن قرب.


