دبي على أعتاب طفرة عقارية: توقعات بتسليم 350 ألف وحدة سكنية بحلول 2030
تشهد السوق العقارية في دبي تحولات ديناميكية مدفوعة بالنمو السكاني والاستثمارات الضخمة، وهو ما ينعكس في التوقعات الإيجابية لزيادة المعروض من الوحدات السكنية. كشف تقرير حديث صادر عن شركة الاستشارات العقارية العالمية «نايت فرانك» عن توقعات بتسليم حوالي 350 ألف وحدة سكنية جديدة في دبي بحلول عام 2030، مما يمثل زيادة ملحوظة بنسبة 55% في المخزون السكني الحالي للإمارة. يأتي هذا التوقع في ظل مشاريع تطويرية واسعة النطاق تهدف إلى تلبية الطلب المتزايد على السكن وتحقيق رؤية دبي المستقبلية.
ارتفاع معدلات التسليم المتوقعة
أشار التقرير، الذي حصلت «الإمارات اليوم» على نسخة منه، إلى أن السوق العقارية في دبي تتجه نحو استقبال ما يقرب من 70 ألف وحدة سكنية سنوياً، وهو معدل يتجاوز بشكل كبير متوسط الإنجاز الذي بلغ 36 ألف وحدة سنوياً خلال السنوات القليلة الماضية. هذا الارتفاع في وتيرة التسليم يعكس حيوية القطاع العقاري وقدرته على التكيف مع التغيرات الاقتصادية والاجتماعية. يرجع هذا التسارع بشكل أساسي إلى المشاريع المعلنة التي بدأت في التحول من مجرد خطط إلى واقع ملموس، مما يبشر بمستقبل واعد للسوق.
تقييم العقاريين للتوقعات المستقبلية
عبر عدد من العقاريين عن تفاؤهم الحذر بشأن هذه التوقعات، مؤكدين أن الاستثمار العقاري في دبي ما زال جاذباً للغاية على الرغم من الزيادة المتوقعة في المعروض. وأكدوا أن السوق تتمتع بقدرة فريدة على استيعاب الوحدات الجديدة بفضل النمو السكاني المستمر، والبنية التحتية المتطورة، وظهور نوعية جديدة من المشترين. ويرون أن المشروعات الجديدة تُدار بشكل أكثر احترافية، ويتم بيع جزء كبير منها على المخطط، ما يضمن امتصاص المعروض بسرعة، خاصة في القطاعين المتوسط والفخم.
استقرار الأسعار في ظل زيادة المعروض
أوضح العقاريون أن أي زيادة في المعروض قد تؤدي إلى تصحيحات طفيفة في الأسعار في المناطق المتوسطة، لكن الأسواق الرئيسية ستظل مستقرة نسبياً. ويؤكدون أن مرونة السوق العقاري بدبي وقدرتها على التكيف مع المتغيرات الاقتصادية والاجتماعية ستدعم استمرار نمو القطاع بشكل مستدام. كما أن التركيز على المشروعات عالية الجودة والموجهة للمستخدم النهائي سيساهم في الحفاظ على قيمة العقارات.
رؤى “نايت فرانك” حول التطورات العقارية
فيصل دوراني، الشريك ورئيس قسم الأبحاث في شركة «نايت فرانك» للشرق الأوسط وشمال إفريقيا، توقع أن يتم تسليم حوالي 350 ألف وحدة سكنية في دبي خلال الفترة بين 2026 و2030، استناداً إلى المشروعات المسجلة حالياً. وأشار إلى أن هذا الرقم سيؤدي إلى زيادة بنسبة 55% في إجمالي المخزون السكني الحالي في الإمارة.
وأضاف دوراني في تقرير حديث: “تشمل المشروعات قيد الإنشاء وتلك المسجلة التي لم يبدأ تنفيذها بعد، ما يعادل نحو 70 ألف وحدة سنوياً، وهو معدل يفوق بكثير متوسط 36 ألف وحدة التي تم تسليمها سنوياً خلال الـ20 عاماً الماضية”. ولفت إلى أن العام الحالي شهد تسليم 46% من إجمالي 61,922 وحدة، أي حوالي 28,624 وحدة بين شهري يناير وسبتمبر 2025.
كما أشار إلى أن المطورين بدأوا في معالجة نقص القدرات لدى بعض المقاولين من خلال إدارة عمليات البناء داخلياً أو توسيع قدراتهم الداخلية، بهدف السيطرة بشكل أفضل على الجداول الزمنية والتكاليف والجودة.
الظروف الحالية تختلف عن الماضي
على الرغم من أن زيادة المعروض قد تثير بعض المخاوف، إلا أن دوراني أكد أن الظروف في دبي مختلفة الآن عما كانت عليه في الدورات السابقة، حيث أن أساسيات السوق أقوى وأكثر رسوخاً، خاصة فيما يتعلق بطبيعة المشترين الحقيقية. وقد تأكد ذلك من خلال تسارع نمو السكان وانخفاض معدلات إعادة البيع السريع للعقارات.
المنافسة الصحية ودور المطورين
من جانبه، أكد مهند الوادية، الرئيس التنفيذي لشركة «هاربور العقارية»، أن القدرة الفعلية لدبي على استيعاب 350 ألف وحدة سكنية بحلول 2030 تتطلب قراءة أكثر واقعية. وأوضح أن هذا الرقم قد يبدو كبيراً نظرياً، لكن التجربة العملية في القطاع تشير إلى أن جزءاً كبيراً من المعروض قد لا يصل إلى السوق في الموعد المحدد بسبب تأخر بعض المطورين واشتداد المنافسة على شركات المقاولات ومواد البناء.
وأشار الوادية إلى أن تقييم حجم المعروض يجب أن يأخذ في الاعتبار نوعيته، مؤكداً وجود نقص كبير في الوحدات الموجهة للدخل المتوسط، وهو جزء أساسي من خطة دبي الحضرية 2040. وأضاف أن السوق قد تشهد “منافسة صحية” في حال تباطؤ الطلب، حيث سيبدأ المطورون في تعزيز استراتيجياتهم التسويقية وتقديم تسهيلات للمشترين.
النمو السكاني كمحرك رئيسي للطلب
وأوضح الوادية أن النمو السكاني في دبي يلعب دوراً محورياً في امتصاص أي معروض جديد، حيث تسجل الإمارة واحدة من أعلى نسب النمو على مستوى العالم، بمعدل 5.7% سنوياً، مع توقع بلوغ عدد السكان 5.8 مليون نسمة بحلول عام 2040. هذا النمو السكاني يخلق طلباً مستمراً على السكن، مما يدعم استقرار أسعار العقارات في دبي.
وأشار إلى أن دبي تجذب موجة من المقيمين الدائمين من رواد الأعمال والمبدعين وأصحاب الخبرات، وأن أكثر من 55% من الوافدين الجدد يخططون لشراء عقار، خاصة مع استمرار انخفاض أسعار الفائدة.
المشروعات المتوسطة والاستثمار في البنية التحتية
بدوره، قال إسماعيل الحمادي، المؤسس والرئيس التنفيذي لشركة «بيزنت» للاستشارات، إن المشروعات التي تُطرح في السوق أخيراً تأتي وفق خطط مدروسة، حيث يتم بيع الجزء الأكبر منها على المخطط، ما يضمن تسليمها لمُلاكها عند اكتمالها. كما أشار إلى أن المطورين بدأوا في توجيه اهتمامهم نحو المشروعات المتوسطة لتلبية احتياجات الفئة الأكبر من المقيمين.
وأكد الحمادي أن الاستثمار في البنية التحتية يعزز الطلب على العقارات بشكل مباشر، مستشهداً بمشروعات تطوير الطرق والمواصلات التي تقلل من زمن الرحلات وتزيد من جاذبية المناطق السكنية.
في الختام، تشير التوقعات إلى أن سوق دبي العقارية ستشهد طفرة في المعروض خلال السنوات القليلة المقبلة، لكنها في الوقت نفسه تتمتع بالعوامل الأساسية التي تضمن قدرتها على استيعاب هذا المعروض والحفاظ على استقرار أسعارها، بل وتحقيق المزيد من النمو المستدام. من المهم للمستثمرين ومشتري العقارات متابعة التطورات عن كثب وتحليل الفرص المتاحة للاستفادة من هذه التغيرات الديناميكية.


